طالب اتحاد الشغل رئيس الحكومة مهدي جمعة بمصارحة الجميع حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي وتقديم كشف دقيق للوضعية بعد تواتر الحديث عن أزمة خانقة وظرف صعب.. ومن هذا المنطلق بحثت “الصباح الأسبوعي” عن بعض الاجابات من حكومة “الترويكا” المتنحية عبر لقاء جمعها بوزير المالية السابق إلياس الفخفاخ الذي قدم كشفا واضحا عن زمن حكم “الترويكا”..

بخصوص كشف الحقيقة لا يرى الياس الفخفاخ أي جديد في ذلك باعتبار أن وزارة المالية السابقة كانت تقدم كل ثلاثية تقييما للوضع مع الاعلاميين مبرزا أن الأرشيف شاهد على ذلك وذكر الفخفاخ أيضا بصعوبة الوضع وكلما تقدم الوقت الا وازداد صعوبة فخلال السنة الأولى من الثورة ارتفع عجز الميزانية  بثلاث مرات ونصف ونزلت نسبة النمو وفي  2012 كان الانهيار وزاد العجز، لكن في 2013 عادت الأمور لتأخذ منحى ايجابيا  واتخذت الحكومة قرارات شجاعة  منها الاعلان عن عدم القدرة على تحمل الانفلات الذي صار قبل انتخابات 2011 وأعدت وزارة المالية ميزانية “صعبة” (على حد تعبير الفخفاخ) .

وهنا يقول الفخفاخ: كنا نكشف عن كل شيء فلا أفهم ما هو الاكتشاف الجديد الذي يريدون المصارحة به..”.

انفلات الزيادات والاتفاقيات في حكومة السبسي!

الإنفلات الذي يتحدث عنه إلياس الفخفاخ والذي حددته حكومتا “الترويكا” سابقا يهم حجم الأجور والاتفاقيات المبرمة مع المنظمات النقابية. فخلال ثلاث سنوات بعد الثورة بلغت قيمة الزيادة في الاجور أربعة آلاف مليار  والتي تتحمل مسؤوليتها حكومة الباجي قائد السبسي بنسبة 70% من خلال الادماجات والانتدابات والقرارات والاتفاقيات الممضاة وهنا يقول الياس الفخفاخ “بم يريد مصارحة الناس، هل هناك أشياء أخفيناها؟

مهما يكن من أمر لرئيس الحكومة الحالي أن يكشف كل شيء لكن ما يثير الاستغراب هو أن بعض الاطراف تهول الامور وتتحدث عن أرقام غريبة والحال أن الحكومة الحالية تقابل ذلك بالصمت الذي اعتبره شخصيا ايحاء بصحة ما يقال عن الحكومة السابقة”.

الحكومة في ظرف صعب، ولن تكشف أي جديد!

وزير المالية السابق مع تقديم كشف دقيق  للوضع، من منطلق تفهمه لموقف الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يقاوم ضغط منخرطيه اذ لعل في قول “الحقيقة” يمكن للقاعدة العمالية ان تفهم طبيعة الظرف والوضع يقول ايضا: الحكومة باشرت مهامها في ظرف صعب ونحن نعرف جيدا الصعوبات الموجودة.. وقد ركزنا هذه الحكومة ومنذ شهرين ونحن نطلب من الجميع دعمها.. ورغم الصعوبات هناك تحسن نسبي لان هذه الحكومة تسعى الى توفير الموارد وتجنيبها ملف الزيادات والاحتقان الاجتماعي لكن ما يثير الانتباه هو أن بعض التصريحات نحس وكأن فيها نوعا من تحميل المسؤولية للحكومة المتخلية.. فعلا هناك من يسعى الى توظيف فرضيات لم يقع قولها والحكومة مطالبة بالتوضيح لأن صمتها تجاه ما يتداول في البلاتوهات والمنابر كأنه تأبيد له.

غير ممكن عدم صرف الأجور.. لهذا السبب

وفيما تعتبر عديد الاطراف أن “الترويكا” هي المسؤول الأول عن تدهور الوضع حتى أن الحكومة الحالية أصبحت مطالبة بالاقتراض من أجل توفير رواتب شهر أفريل تحمل عدة أطراف أخرى المسؤولية لوزارة المالية السابقة وتحديدا لالياس الفخفاخ الذي أمضى على شروط صندوق النقد الدولي التي يحوم بعضها حول امكانية إلغاء الدعم  وكذلك الحكومة التي تركت فجوة في ميزانية 2013.

الياس الفخفاخ  مثل عديدين استغرب الأمر وبين في ذات الوقت ان الحديث  عن امكانية عدم صرف الاجور عملية تحسيس بالوضع ويقول في الوقت نفسه: آخر مرحلة نبلغها هي ايقاف صرف الرواتب لكن عمليا هذا غير ممكن لأن موارد الدولة متأتية من الجباية والاقتراض.

الميزانية تتأسس على أربعة أركان منها الاقتراض وقد ضمنت ذلك “الترويكا” قبل المغادرة فقرض 2.7 مليار دينار من صندوق النقد  الدولي امضت عليه الترويكا  ويتم صرفه على مدة سنتين بالاضافة الى اتفاقيات اخرى تمت مناقشتها منذ عام مع الاتحاد الاوروبي وكذلك  اتفاقية ضمان القرض من قبل الولايات المتحدة.. اي كل ما تتصرف فيه الحكومة الحالية أنجزته (في اطار التواصل) الحكومة السابقة.. اما حكومة  مهدي  جمعة فهي بصدد اعداد الارضية للحكومة المقبلة.

حكومة جمعة تنفذ ميزانية “الترويكا”

ميزانية 2014 كباقي  الميزانيات  قائمة على الجباية والاقتراض والفرضيات التي بنيت عليها يعتبرها  الياس الفخفاخ  واقعية لانها  تتجسد  على أرض الواقع حاليا لكن المطلوب حسب رأيه تحسيس  المواطن  بأنه  يتم اقتراض  8 آلاف  مليار  للزيادات في الاجور والدعم رغم ان المفترض توجيه الجزء الاكبر من  الدعم للاستثمار وكذلك  استغلال  الاربعة آلاف مليار لتحسين الاجور الضعيفة وبصفة أقل الأجور المرتفعة نسبيا اذ يقول الياس الفخفاخ : اتخذنا اجراءات بعد اعداد دراسة للعلاج الهيكلي لمنظومة الدعم ومنها  ترشيد استهلاك  الطاقة في قطاع  الاسمنت اذ من غير المعقول ان تحصل  8 شركات على 350 مليارا دعما من الدولة.. واجراءات اخرى حول استهلاك الطاقة.. وبالنسبة الى المحروقات كنا ننوي علاج  مسألة  الدعم  بالاتاوات حسب الاستهلاك لكن تم تعليق ذلك والجميع يتذكر  تلك اللخبطة  لكن  ما يمكن  التأكيد عليه ان الحكومة  الحالية  تنفذ الميزانية التي ضبطناها.

الفجوة.. وشروط  صندوق النقد الدولي ورفع الدعم

وينفي  الياس الفخفاخ  وجود فجوة  في ميزانية 2013 لان الأموال التي لم تصرف سددت في بداية 2014 وهي المتأتية من أموال صندوق النقد الدولي  وقرضي تركيا والبنك العالمي  واصدارات رسملة البنوك مبرزا ان حوالي  ألف مليار دخلت في بداية السنة الحالية.

ويقول الياس الفخفاخ  في نفس  السياق:” نحن أمضينا الشروط مع صندوق النقد الدولي  لكن هناك شروط اخرى جديدة  بعد كل عملية تقييم خلال كل ثلاثية عن طريق  بعثة من الصندوق.. واعتقد ان الاصلاحات اللازمة  فيها ما هو مالي مع المحافظة  على التوازنات المالية  بترشيد الدعم والضغط  على الاجور والزيادات  ومزيد  تعبئة الموارد الجبائية اي هي اصلاحات تدفع للاستثمار وخلق النمو”.

واذ تم العمل على ترشيد الدعم بـ 8% في قطاع الطاقة فان المبدأ  الاساسي  هو عدم المس من المواد الأساسية لكن بالنسبة الى المحروقات يفترض ترشيد الدعم حسب حجم  الاستهلاك  ولو انه يتم دائما  اللجوء الى اسهل الحلول المتمثلة في زيادة عامة بـ100 مليم ولئن كان غير ممكن رفع الدعم  حسب وزير  المالية السابق  فإن هذه المنظومة  تحتاج إلى اصلاح هيكلي  وجذري برفعه عن غير مستحقيه لان الذي يستهلك اكثر يحصل على اكبر نسبة من الدعم.. ومن يستهلك  اكثر يعني أن وضعيته المالية  والاجتماعية مريحة ولا يحتاج  إلى الدعم..

لا انتدابات في الوظيفة العمومية.. وأيضا ليس من الممكن الحديث عن زيادات في الأجور في مثل هذا الظرف مقابل ضعف المقدرة الشرائية وانفلات الاسعار والترفيع الكبير في سعر الطماطم بغية رفع الدعم عنها كليا.. من المسائل التي تثير الاهتمام  لأن فيها عديد المتناقضات اذ يرى الياس الفخفاخ أنه رغم ارتفاع الأسعار تم الحد من نسبة التضخم من 6.5% الى 5%  عند مغادرة الحكومة، ومجموعة مهدي جمعة تحاول الحد ايضا من نسبة التضخم أما مسألة الأسعار فتبقى معقدة لأنها  محكومة بالتهريب  والانتاج والاستهلاك..

الزيادة في أسعار الطماطم كان يمكن أن تكون مرحلية

وعن الزيادة في سعر الطماطم يرى الياس الفخفاخ  أن منظومة  الانتاج  والتصنيع  تحتاج لحل لكن كان من المفترض (حسب رأيه) أن تكون الزيادة مرحلية، لكن بخصوص الانتدابات ومشكلة تعويضات العفو التشريعي العام التي استقال من أجلها حسين الديماسي  قال الياس الفخفاخ : التعويضات لم تتم لكن لا أعرف اسباب استقالة حسين الديماسي ولكم ان تسألوه.. لكن تبقى أسهل المسائل الاستقالة وفي رأيي  الوزير هو الذي يحارب  ويصمد حتى لا يحدث  ما هو غير مقتنع به.. علينا تحمل الضغوطات.

ويرى الياس الفخفاخ أن الأربعة آلاف  مليار  الخاصة بالاجور تدخل فيها الزيادات وكذلك  الانتدابات المقدرة بـ 57 ألفا في 2011 (بين انتداب وادماج) و25 ألفا في 2012 و23 ألفا في 2013 وفي السنة الحالية تمت برمجة انتداب 17 ألفا بينهم 9 آلاف لتعويض الذين سيحالون على التقاعد.

وعن انعكاسات ترقيات المتمتعين بالعفو التشريعي العام وخاصة انعكاسات الترقيات الاستثنائية التي سببت الاحتقان بين الموظفين والأعوان، لتوضيح ذلك يقول الياس الفخفاخ أنه لا يمكن تحميل 6500 متمتع  بالعفو التشريعي مسؤولية تدهور الأمور أو ارتفاع حجم الأجور والزيادات.. حيث يقول محدثنا: “المتمتعون باجراءات العفو بلغ عددهم 3500 من عائلات الشهداء والجرحى، وهم منتدبون في اطار استثنائي و6500 متمتع  بالعفو التشريعي العام بينهم 2500 كانوا في الوظيفة العمومية وابعدوا وبعودتهم  وقع تمكينهم من ترقيات استثنائية لم تكن مدروسة ولم يقع  ايضا إعادة  رسكلتهم فإذا كان من حقهم العودة لعملهم  فإنه كان الاجدى رسكلتهم”.

من يتحمل  مسؤولية ذلك؟  يقول الياس الفخفاخ : كل الحكومة مسؤولة  لانه  كان عليها  التروي  في مسألة الترقيات حتى تتفادى الاحتقان.. ففي مسألة إعادة  بناء  المسار شمل هذا المبدأ أيضا 90 ألفا من المنتمين لوزارة الداخلية”.

إعداد: عبد الوهاب الحاج علي

الصباح الأسبوعي http://goo.gl/QV4wPq