البيان‭ ‬التأسيسي‭ ‬للتكتل‭ ‬الديمقراطي‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬العمل‭ ‬و‭ ‬الحريات

من‭ ‬اجل‭ ‬تونس،‭ ‬ووفاء‭ ‬لشهداء‭ ‬ملحمة‭ ‬التحرير‭ ‬الأبرار‭ ‬و‭ ‬مواصلة‭ ‬لتضحيات‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬ناضل‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬الديمقراطية‭ ‬و‭ ‬الحريات‭ ‬منذ‭ ‬فجر‭ ‬الاستقلال‭ ‬و‭ ‬تفاعلا‭ ‬مع‭ ‬المبادرات‭ ‬المتنوعة‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬القوى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬و‭ ‬التقدمية‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬قصد‭ ‬توحيد‭ ‬صفوفها‭ ‬و‭ ‬أخرها‭ ‬النداء‭ ‬الذي‭ ‬أصدرته‭ ‬في‭ ‬09‭ ‬افريل‭ ‬1993‭ ‬ثلة‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬و‭ ‬بنات‭ ‬تونس‭ ‬،‭ ‬نعلن‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬تأسيس‭ ‬التكتل‭ ‬الديمقراطي‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬العمل‭ ‬و‭ ‬الحريات‭.‬

إن‭ ‬التطورات‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬لحقت‭ ‬بالساحة‭ ‬السياسية‭ ‬الوطنية‭ ‬و‭ ‬ما‭ ‬أفرزته‭ ‬الانتخابات‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬رجوع‭ ‬قوي‭ ‬لثقافة‭ ‬الإجماع‭ ‬و‭ ‬هيمنة‭ ‬واضحة‭ ‬للحزب‭ ‬الحاكم‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬دواليب‭ ‬الحياة‭ ‬العامة‭ ‬و‭ ‬ما‭ ‬نتج‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬تهميش‭ ‬و‭ ‬احتواء‭ ‬للتنظيمات‭ ‬السياسية‭ ‬و‭ ‬النقابية‭ ‬و‭ ‬الثقافية‭ ‬و‭ ‬الاجتماعية‭ ‬و‭ ‬توظيفها‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬حزب‭ ‬الدولة‭ . ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يعكس‭ ‬استفحال‭ ‬عقلية‭ ‬الحزب‭ ‬الواحد‭ ‬و‭ ‬ينذر‭ ‬بالوقوع‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الأزمات‭ ‬التي‭ ‬هددت‭ ‬المجتمع‭ ‬خلال‭ ‬العشريات‭ ‬الأخيرة‭ ‬و‭ ‬كادت‭ ‬في‭ ‬صائفة‭ ‬1987‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬بالبلاد‭ ‬إلى‭ ‬الهاوية‭ .‬

إن‭ ‬الوضع‭ ‬الذي‭ ‬تقلصت‭ ‬فيه‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬و‭ ‬التنظيم‭ ‬احدث‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬السياسية‭ ‬فراغا‭ ‬خطيرا‭ ‬من‭ ‬شانه‭ ‬أن‭ ‬يوفر‭ ‬المناخ‭ ‬الملائم‭ ‬للمغالاة‭ ‬و‭ ‬التطرف‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬تغييب‭ ‬القوى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬و‭ ‬التقدمية‭ ‬الفاعلة‭  ‬و‭ ‬ركون‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬نخبة‭ ‬تونس‭ ‬و‭ ‬شبابها‭ ‬إلى‭ ‬الاستقالة‭ ‬و‭ ‬اللامبالاة‭. ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬يفرض‭ ‬علينا‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬وطني‭ ‬أن‭ ‬نطرح‭ ‬بإلحاح‭ ‬بناء‭ ‬تنظيم‭ ‬سياسي‭ ‬جديد‭ ‬يلبي‭ ‬حاجة‭ ‬القوى‭ ‬المؤمنة‭ ‬بالديمقراطية‭ ‬إلى‭ ‬إطار‭ ‬حي‭ ‬و‭ ‬فضاء‭ ‬فسيح‭ ‬لحوار‭ ‬نزيه‭ ‬يطرح‭ ‬فيه‭ ‬المشروع‭ ‬الذي‭ ‬ستناسب‭ ‬و‭ ‬تحديات‭ ‬العصر‭ ‬و‭ ‬يتجاوب‭ ‬مع‭ ‬طموحات‭ ‬شعبنا،‭ ‬فنتمكن‭ ‬عندها‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬حد‭ ‬لهذا‭ ‬الاختلال‭ ‬الذي‭ ‬يهدد‭ ‬توازن‭ ‬المجتمع‭ ‬و‭ ‬مناعة‭ ‬البلاد‭.‬

لقد‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬الأكيد‭ ‬و‭ ‬نحن‭ ‬على‭ ‬أبواب‭ ‬القرن‭ ‬الواحد‭ ‬و‭ ‬العشرين‭ ‬و‭ ‬بعد‭ ‬38‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬الاستقلال،‭ ‬إزالة‭ ‬كل‭ ‬العراقيل‭ ‬التي‭ ‬تمنع‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬النصوص‭ ‬الدستورية‭ ‬و‭ ‬القانونية‭ ‬و‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الممارسة‭ ‬تجسيم‭ ‬التفريق‭ ‬الفعلي‭ ‬بين‭ ‬السلطات‭ ‬و‭ ‬الفصل‭ ‬الواضح‭ ‬بين‭ ‬دواليب‭ ‬الدولة‭ ‬و‭ ‬أجهزة‭ ‬الحزب‭ ‬الحاكم،‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الحزب،‭ ‬عندئذ‭ ‬يمكن‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نتقدم‭ ‬بخطى‭ ‬ثابتة‭ ‬نحو‭ ‬تجسيم‭ ‬دولة‭ ‬القانون‭ ‬و‭ ‬احترام‭ ‬قواعد‭ ‬التداول‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬و‭ ‬تكريس‭ ‬المساواة‭ ‬بين‭ ‬المواطنين‭ ‬و‭ ‬بدون‭ ‬اعتبار‭ ‬لانتماءاتهم‭ ‬الحزبية‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬إقصاء‭ ‬و‭ ‬تمييز‭.‬

إن‭ ‬غياب‭ ‬آليات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬السياسية‭ ‬الحقيقية‭ ‬و‭ ‬ما‭ ‬نفترضه‭ ‬من‭ ‬تشريك‭ ‬للقوى‭ ‬الحية‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬السياسة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المتبعة‭ ‬ركزت‭ ‬اهتماماتها‭ ‬على‭ ‬التوازنات‭ ‬الحسابية‭ ‬الداخلية‭ ‬و‭ ‬الخارجية‭ ‬و‭ ‬هي‭ ‬إذ‭ ‬حققت‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المضمار‭ ‬بعض‭ ‬النتائج‭ ‬الايجابية‭ ‬فإنها‭ ‬لم‭ ‬تعر‭ ‬قضية‭ ‬التنمية‭ ‬بعدها‭ ‬الشمولي‭ ‬و‭ ‬كان‭ ‬هيكلة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬مسالة‭ ‬معزولة،‭ ‬و‭ ‬كان‭ ‬آليات‭ ‬السوق‭ ‬كفيلة‭ ‬وحدها‭ ‬بتحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬فأصبح‭ ‬من‭ ‬اللازم‭ ‬القيام‭ ‬بتقييم‭ ‬جدي‭ ‬و‭ ‬صريح‭ ‬لتجربة‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬حتى‭ ‬نكشف‭ ‬عن‭ ‬نقاط‭ ‬الضعف‭ ‬و‭ ‬نراجع‭ ‬خطتنا‭ ‬بالربط‭ ‬بين‭ ‬الهيكلة‭ ‬الضرورية‭ ‬لآليات‭ ‬الاقتصاد‭ ‬و‭ ‬بين‭ ‬التنمية‭ ‬و‭ ‬بتدقيق‭ ‬دور‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬التوازنات‭ ‬الأصلية‭ ‬بين‭ ‬القطاعات‭ ‬المختلفة‭ ‬و‭ ‬ضبط‭ ‬الأولويات‭ ‬و‭ ‬إعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬إلى‭ ‬القوى‭ ‬المنتجة‭ ‬

لكل‭ ‬هاته‭ ‬الأسباب،‭ ‬و‭ ‬خدمة‭ ‬للمصلحة‭ ‬الوطنية،‭ ‬و‭ ‬ايمانا‭ ‬منا‭ ‬بان‭ ‬سياسة‭ ‬التحرير‭ ‬الاقتصادي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬تتعايش‭ ‬طويلا‭ ‬مع‭ ‬انحسار‭ ‬مجال‭ ‬العمل‭ ‬السياسي،‭ ‬و‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬الحريات‭ ‬العامة‭ ‬و‭ ‬الفردية،‭ ‬و‭ ‬بان‭ ‬استقرار‭ ‬البلاد‭ ‬غير‭ ‬مرتبط‭ ‬بالضرورة‭ ‬باستئثار‭ ‬الحزب‭ ‬الحاكم‭-‬و‭ ‬من‭ ‬دار‭ ‬في‭ ‬فلكه‭- ‬بالحياة‭ ‬السياسية‭ ‬و‭ ‬بان‭ ‬المعارضة‭ ‬ليست‭ ‬معاداة‭ ‬للسلطة‭ ‬بل‭ ‬عملا‭ ‬حضاريا‭ ‬و‭ ‬قيما‭ ‬راقية‭ ‬تقر‭ ‬بان‭ ‬للسلطة‭ ‬و‭ ‬كذلك‭ ‬للمعارضة‭ ‬دورا‭ ‬و‭ ‬ان‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬المعارضة‭ ‬كسلطة‭ ‬مضادة‭ ‬ضمانا‭ ‬لإقرار‭ ‬التوازن‭ ‬و‭ ‬السلم‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬و‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬تعلقنا‭ ‬المتواصل‭ ‬بالعمل‭ ‬السياسي‭ ‬العلني‭ ‬و‭ ‬رفضنا‭ ‬للعنف‭ ‬بكل‭ ‬أشكاله‭ ‬و‭ ‬نبذنا‭ ‬للإرهاب‭ ‬و‭ ‬التعصب‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬مبرراته‭- ‬اخترنا‭ ‬كمجموعة‭ ‬وطنية‭ ‬النهج‭ ‬الصعب‭ ‬و‭ ‬هو‭ ‬بناء‭ ‬تنظيم‭ ‬سياسي‭ ‬جديد‭ ‬و‭ ‬المطالبة‭ ‬بحقنا‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬النشاط‭ ‬في‭ ‬صلبه‭ ‬حسبما‭ ‬يضمنه‭ ‬الفصل‭ ‬الثامن‭ ‬من‭ ‬الدستور‭.‬

و‭ ‬يتلخص‭ ‬مشروعنا‭ ‬الأولي‭ ‬في‭ ‬المحاور‭ ‬التالية‭:‬

1-استقطاب‭ ‬القوى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الوطنية‭ ‬ووضع‭ ‬الحد‭ ‬لما‭ ‬تعانيه‭ ‬من‭ ‬تشتت‭ ‬و‭ ‬تهميش،‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬جليلة‭ ‬و‭ ‬ما‭ ‬قدمته‭ ‬من‭ ‬تضحيات‭ ‬عظيمة،‭ ‬و‭ ‬ذلك‭ ‬حتى‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬بلورة‭ ‬و‭ ‬انجاز‭ ‬مشروع‭ ‬بديل‭ ‬شامل‭ ‬يقطع‭ ‬مع‭ ‬سلبيات‭ ‬نظام‭ ‬الحزب‭ ‬الواحد‭ ‬و‭ ‬يربط‭ ‬بين‭ ‬السياسي‭ ‬و‭ ‬الاجتماعي‭ ‬و‭ ‬بين‭ ‬الوطني‭ ‬و‭ ‬القومي‭ ‬و‭ ‬بين‭ ‬المادي‭ ‬و‭ ‬الثقافي،‭ ‬و‭ ‬يضمن‭ ‬نوعية‭ ‬من‭ ‬الحكم‭ ‬تحرر‭ ‬طاقات‭ ‬مجتمعنا‭ ‬الكامنة‭ ‬و‭ ‬تقي‭ ‬شعبنا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬الاستقالة‭ ‬و‭ ‬الإحباط‭ ‬و‭ ‬تمكنه‭ ‬من‭ ‬اخذ‭ ‬مصيره‭ ‬بيديه‭ ‬حتى‭ ‬ينحت‭ ‬بنفسه‭ ‬و‭ ‬عبر‭ ‬مؤسسات‭ ‬و‭ ‬تنظيمات‭ ‬ديمقراطية‭ ‬ممثلة‭ ‬حاضرة‭ ‬و‭ ‬ملامح‭ ‬مستقبلة‭.‬

2-دعم‭ ‬سمات‭ ‬التفتح‭ ‬و‭ ‬التسامح‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬متشبعا‭ ‬بالقيم‭ ‬المستنيرة‭ ‬النابعة‭ ‬من‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬و‭ ‬متفاعلا‭ ‬مع‭ ‬التطور‭ ‬البشري‭ ‬المعاصر‭ ‬لمواجهة‭ ‬تحديات‭ ‬المستقبل‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬الانغلاق‭ ‬و‭ ‬التعصب‭.‬

3-تجسيم‭ ‬دولة‭ ‬القانون،‭ ‬دولة‭ ‬التونسيين‭ ‬جميعا،‭ ‬و‭ ‬إنماء‭ ‬حقوق‭ ‬الفرد‭ ‬و‭ ‬حماية‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬و‭ ‬التقدم‭ ‬المتواصل‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬المساواة‭ ‬في‭ ‬الحقوق‭ ‬و‭ ‬الواجبات‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬افراد‭ ‬المجتمع‭ ‬رجالا‭ ‬و‭ ‬نساء‭.‬

4-دعم‭ ‬الثقافة‭ ‬الوطنية‭ ‬وفتح‭ ‬حوار‭ ‬وطني‭ ‬شامل‭ ‬لضبط‭ ‬مشروع‭ ‬مجتمعي‭ ‬يخلص‭ ‬شعبنا‭ ‬من‭ ‬الاستلاب‭ ‬و‭ ‬بجسم‭ ‬مصالحة‭ ‬فعلية‭ ‬بين‭ ‬التأصل‭ ‬في‭ ‬حضارتنا‭ ‬و‭ ‬تاريخنا‭ ‬و‭ ‬التفاعل‭ ‬مع‭ ‬الثورة‭ ‬العلمية‭ ‬و‭ ‬التقنية‭ ‬المعاصرة‭ ‬فنتمكن‭ ‬عندها‭ ‬من‭ ‬الإسهام‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬البشرية‭ ‬و‭ ‬تقدمها‭.‬

5-اعتبار‭ ‬بناء‭ ‬المجتمع‭ ‬الديمقراطي‭ ‬هدفا‭ ‬استراتيجيا‭ ‬و‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬انجازه‭ ‬بالمفهوم‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬يضمن‭ ‬استقلال‭ ‬العدالة‭ ‬و‭ ‬يفرق‭ ‬بين‭ ‬السلطات‭ ‬و‭ ‬يفتح‭ ‬للمؤسسات‭ ‬الدستورية‭ ‬و‭ ‬التنظيمات‭ ‬السياسية‭ ‬و‭ ‬النقابية‭ ‬و‭ ‬الإنسانية‭ ‬المجال‭ ‬للقيام‭ ‬بدور‭ ‬الرقيب‭ ‬و‭ ‬الاضطلاع‭ ‬بمهمة‭ ‬السلطة‭ ‬المضادة‭ ‬،‭ ‬مع‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬إشاعة‭ ‬قيم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وسط‭ ‬المجتمع‭ ‬و‭ ‬الارتقاء‭ ‬بوعي‭ ‬المواطن‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬مقتنعا‭ ‬و‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬ممارسة‭ ‬مواطنته‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬اطر‭ ‬حياته‭ ‬اليومية‭.‬

6-رفع‭ ‬القيود‭ ‬و‭ ‬المكبلات‭ ‬التي‭ ‬تحد‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬حرية‭ ‬الإعلام‭ ‬و‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬و‭ ‬تجعل‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬السمعية‭ ‬و‭ ‬البصرية‭ ‬أدوات‭ ‬دعاية‭ ‬طيعة‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬السلطة‭ ‬و‭ ‬الحزب‭ ‬الحاكم،‭ ‬و‭ ‬ذلك‭ ‬بمراجعة‭ ‬جذرية‭ ‬لقانون‭ ‬الصحافة‭ ‬حتى‭ ‬نضمن‭ ‬إعلاما‭ ‬تعدديا‭ ‬ديمقراطيا‭ ‬متحررا‭ ‬و‭ ‬نعيد‭ ‬الاعتبار‭ ‬و‭ ‬المسؤولية‭ ‬للصحافيين‭ ‬و‭ ‬نحمي‭ ‬مهنتهم‭ ‬الشريفة‭ ‬من‭ ‬التطفل‭ ‬و‭ ‬الرداءة‭.‬

7-توخي‭ ‬الأساليب‭ ‬السياسية‭ ‬السلمية‭ ‬و‭ ‬الحوار‭ ‬المستمر‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬مكونات‭ ‬المجتمع‭ ‬مهما‭ ‬تباينت‭ ‬توجهاتها‭ ‬ظرفيا‭ ‬او‭ ‬أصليا‭ ‬مع‭ ‬احترام‭ ‬الرأي‭ ‬المخالف‭ ‬و‭ ‬حق‭ ‬الأقلية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الحالات‭ ‬بهدف‭ ‬تجسيم‭ ‬المصالحة‭ ‬الوطنية‭ ‬الحقيقية‭.‬

8-اعتماد‭ ‬سياسة‭ ‬اقتصادية‭ ‬تضع‭ ‬هيكلة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الضرورية‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬و‭ ‬التنمية‭ ‬و‭ ‬تقطع‭ ‬مع‭ ‬تخلي‭ ‬الدولة‭ ‬عن‭ ‬مسؤوليتها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬و‭ ‬تفرض‭ ‬الشفافية‭ ‬الكاملة‭ ‬على‭ ‬التصرف‭ ‬في‭ ‬الأموال‭ ‬العمومية‭ ‬و‭ ‬تفسح‭ ‬المجال‭ ‬للمبادرة‭ ‬الوطنية‭ ‬و‭ ‬تشجع‭ ‬الجهد‭ ‬و‭ ‬تكافئ‭ ‬الإبداع‭ ‬و‭ ‬الابتكار‭ ‬و‭ ‬تعيد‭ ‬الاعتبار‭ ‬للعلم‭ ‬و‭ ‬المعرفة‭ ‬و‭ ‬تحمي‭ ‬القوى‭ ‬العاملة‭ ‬بالفكر‭ ‬و‭ ‬الساعد‭ ‬و‭ ‬تنظم‭ ‬مساهمتها‭ ‬الفعلية‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬اقتصاد‭ ‬وطني‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬المنافسة‭ ‬يعطي‭ ‬الأولوية‭ ‬لتلبية‭ ‬الحاجيات‭ ‬الأساسية‭ ‬للمواطنين‭ ‬و‭ ‬يحسم‭ ‬بينهم‭ ‬توزيعا‭ ‬عادلا‭ ‬للموارد‭ ‬الوطنية‭ ‬و‭ ‬لثمرة‭ ‬الإنتاج‭.‬

إن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬تطورات‭ ‬في‭ ‬النظريات‭ ‬السائدة‭ ‬و‭ ‬ما‭ ‬جد‭ ‬من‭ ‬توازنات‭ ‬سياسية‭ ‬و‭ ‬اقتصادية‭ ‬وضع‭ ‬قضية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬و‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬المنزلة‭ ‬الأولى‭ ‬لدى‭ ‬الضمير‭ ‬الدولي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬طويل‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬طموحات‭ ‬الشعوب‭ ‬التواقة‭ ‬إلى‭ ‬الانعتاق‭. ‬إن‭ ‬غياب‭ ‬احترام‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬كان‭ ‬و‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬الرئيسية‭ ‬للازمة‭ ‬السياسية‭ ‬و‭ ‬الثقافية‭ ‬و‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تتخبط‭ ‬فيها‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬و‭ ‬لما‭ ‬نتج‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬إعاقة‭ ‬للقوى‭ ‬الحية‭ ‬و‭ ‬تخلف‭ ‬أوطانا‭ ‬عن‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬الحضارة‭ ‬البشرية‭.‬

إن‭ ‬المكانة‭ ‬التي‭ ‬حظيت‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬خلال‭ ‬المراحل‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تميز‭ ‬به‭ ‬شعبنا‭ ‬و‭ ‬نخبتها‭ ‬من‭ ‬تجذر‭ ‬العمق‭ ‬الإصلاحي‭ ‬و‭ ‬رسوخ‭ ‬روح‭ ‬التسامح‭ ‬و‭ ‬التفتح‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬الإنساني‭ ‬التقدمي،‭ ‬و‭ ‬لن‭ ‬تحافظ‭  ‬تونسنا‭ ‬على‭ ‬هاته‭ ‬المكانة‭ ‬و‭ ‬على‭ ‬دورها‭ ‬الريادي‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬سباقة‭ ‬إلى‭ ‬الاستجابة‭ ‬لطموحات‭ ‬شعبها‭ ‬المسئول‭ ‬و‭ ‬التفاعل‭ ‬مع‭ ‬التطور‭ ‬البشري‭.‬

إن‭ ‬اعتقادنا‭ ‬راسخ‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬لتونس‭ ‬من‭ ‬المخزون‭ ‬الحضاري‭ ‬و‭ ‬التاريخ‭ ‬النضالي‭ ‬و‭ ‬الكفاءات‭ ‬البشرية‭ ‬و‭ ‬هي‭ ‬على‭ ‬مشارف‭ ‬القرن‭ ‬الواحد‭ ‬و‭ ‬العشرين‭ ‬و‭ ‬بعد‭ ‬38‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬الاستقلال‭ ‬ما‭ ‬يؤهلها‭ ‬لحياة‭ ‬سياسية‭ ‬متطورة‭ ‬تحترم‭ ‬إرادة‭ ‬الشعب‭ ‬و‭ ‬حقوق‭ ‬المواطن‭ ‬و‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬تحديات‭ ‬المستقبل‭ ‬و‭ ‬على‭ ‬الإسهام‭ ‬النير‭ ‬في‭ ‬صحوة‭ ‬عقلانية‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬تنمي‭ ‬الحريات‭ ‬و‭ ‬تنشر‭ ‬الوعي‭ ‬بوحدة‭ ‬المصير‭ ‬و‭ ‬تذكي‭ ‬جذوة‭ ‬التضامن‭ ‬بين‭ ‬أوطان‭ ‬العالم‭ ‬النامي‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬التحرر‭ ‬و‭ ‬الازدهار‭ ‬و‭ ‬التصدي‭ ‬لكل‭ ‬صور‭ ‬الاستغلال‭ ‬و‭ ‬الجبروت‭.‬

تونس‭ ‬في‭ ‬9‭ ‬افريل‭ ‬1994