بقلم السيد مصطفى بن جعفر

في مثل هذا اليوم من سنة 2018

فقدت تونس إحدى بناتها المناضلات الصادقات، سيذكر التاريخ يوم السبت 19 ماي 2018 م الموافق لـ 3 من رمضان الفضيل 1439 هـ، ، يوم توفيت مية الجريبي وهي قائدة من أبرز قادة المقاومة ضد منظومة الاستبداد و الفساد بعد مصارعة مضنية و بطولية مع المرض.بعد حياة نشيطة حبلى بالإنجازات القيمة، حياة جمعت بين مرحلة مقاومة الاستبداد التي كانت فيها معارضة عنيدة متشبثة بقيم الحرية و الديمقراطية، صامدة لا تثنيها المصاعب و العراقيل و مرحلة ما بعد ثورة الحرية و الكرامة و انطلاق بناء الجمهورية الثانية.

تعرفت عليها كعنصر قيادي في الحزب الديمقراطي التقدمي ثم كأمينة عامة للحزب الجمهوري و هي أول امرأة تتحمل هذه المسؤولية على رأس حزب تونسي

ثم تعددت اللقاءات التي جمعتنا بانتظام و المناسبات و التحركات و المواقف التي كنا فيها على نفس الوتيرة، فلمست فيها حب الوطن و صدق الطوية و شجاعة الفكر و التشبث الصارم بالمبادئ و القيم. الرؤية الثاقبة و العزيمة الصلبة و نكران الذات هي أبرز صفات الفقيدة.

عسى أن تلهمنا هذه الخصال و تلهم الأجيال الصاعدة التي كانت الفقيدة شديدة الانفتاح عليها و كثيرة الإصغاء لما تثيره من جديد الأفكار. علينا أن نتذكر ما قالته خلال المؤتمر الأخير للحزب الجمهوري في ما يشبه الوصيّة أسرد منها بعض المقتطفات المعبرة:

بخصوص المصالحة في إطار العدالة الانتقالية

” نعم ! تونس في حاجة إلى طي صفحة الماضي، لتشق عباب المستقبل في سكينة و تضامن، لكن شريطة أن يصبح الماضي ماضيا بحق، يقطع نهائيا مع تاريخ أظلم وجب علينا تنشئة الأجيال على نبذه واستئصاله من جذوره”

بخصوص ضرورة تجميع القوى التقدمية:

“فلنراجع آليات عملنا و تعاوننا، و لنبني جسور تواصل جديدة مرنة و ناجعة تقطع مع ائتلافات خاوية مبنية على “الضد” أو انصهارات في أجندات لا تعني المواطن و لنسعى للقاءات مواطنية تقدمية واسعة، تحترم الخصوصيات الذاتية لمكوناتها و لا تقف عند حدودها”.

و إن أنسى فلن أنسى يوم 22 نوفمبر 2011 عندما ترشحت الفقيدة العزيزة لرئاسة المجلس الوطني التأسيسي مؤكدة الإجماع و الحظوة التي كانت تتمتع بها لدى المعارضة. و قد استجابت يومها و بعد الإعلان عن النتائج إلى دعوتي فألقت كلمة قيمة بوأتها موقع زعامة المعارضة. لقد عشنا يومها في قصر باردو أول تجرية بذلك الحجم للتنافس النزيه الذي وحسب تعبيرة كثيرا ما كانت الفقيدة تلجأ إليها “لا يفسد للود قضية”. لقد وضعنا مع المناضلة العظيمة اللبنة الأولى للمقام الذي تستحقه المعارضة في البرلمان و الذي سيكرسه دستور الجمهورية الثانية في الفصل 60.

رحلت ميّة الجريبي أيقونة النضال الوطنيّ وصاحبة المبادئ التي لا تتزعزع. فسلام على روحك الزكية و تأكدي أنك لم ترحلي فستبقين بيننا الغائبة الحاضرة و ليكن رحيلك مدخلا لتجنيد الطاقات الفكرية و النضالية بالارتكاز إلى تراثك النضالي العظيم.

رحم الله الرفيقة ميّة الجريبي وأسكنها فراديس جنانه.