أصبحت مسألة الثروات الطبيعية بعد ثورة الحرية والكرامة مسألة أساسية لأنه طبيعي أن من تحرر من الخوف والحجب يروم في كشف الحقيقة حول ما تعرض له من تغييب وتلاعب وفي استرجاع سيادته على ثرواته الطبيعية. 
وتحولت هذه المسألة الى واحد من أهم المواضيع التي حظيت باهتمام الرأي العام اذ أنه لا يخفى اليوم على أحد أن ثرواتنا الطبيعية تستغل من قبل شركات أجنبية بطريقة غير عادلة لبلادنا وتجعلنا، في بعض الأحيان، نحس أن ثرواتنا تتعرض الى عملية نهب من نفس هذه الشركات. 
بالنسبة للملح، من المعروف أن الشركة العامة للملاحات التونسية “كوتوزال” تقوم منذ الاستعمار باستغلال الملك العمومي البحري بسعر زهيد للغاية كلف الدولة التونسية خسائر باهظة.  زد على ذلك، فان شركة كوتوزال تتعامل مع كافة الأطراف بما فيهم الصحافيين والدولة التونسية بكل غموض حول أرباحها وطريقة احتسابها وغابت الشفافية تماما في كل ما يتعلق بهذه الشركة التي تمتنع في نفس الوقت من دفع الضرائب والإتاوات المستحقة للدولة التونسية.
أما بالنسبة للوضعية القانونية لشركة “كوتوزال”، فهي معقدة كذلك، علما وأنها” تخضع الى ثلاثة أنظمة قانونية مختلفة فهي تخضع أ- لاتفاقية اللزمة المبرمة مع الدولة التونسية بتاريخ 3 أكتوبر 1949 والمصادق عليها بالأمر العلي بتاريخ 6 أكتوبر 1949  بالنسبة لملاحة الساحلين وطينة و ب- لقرار 1 جانفي 1953 والمتعلق بالمناجم بالنسبة لعقد “سبخة المالح بجرجيس” (المسند طبقا لأمر وزير الصناعة بتاريخ 29 أفريل 1998) و-ت للقانون عدد 30 لسنة 2003 المؤرخ في 28 أفريل 2003 والمتعلق بإصدار مجلة المناجم فيما يخص رخصة البحث عن الموارد المعدنية من المجموعة الرابعة بسبخة الكلبية من ولاية سوسة منذ 24 أكتوبر 2005 وأخيرا فيما يخص امتياز استغلال مواد معدنية من المجموعة الرابعة بالمكان الذي يعرف ب”سبخة الغرة” بولايتي المهدية وصفاقس المسند بموجب قرار وزير الصناعة والطاقة والمناجم بتاريخ 14/3/2014 
وبما أن التكتل حزب غيور على الثروات الطبيعية التي هي ملك الشعب ومتمسكا بسيادة الدولة وباحترام الدستور الذي ساهم في صياغته كاحترام كافة التشاريع ونظرا أنه تبين أن قرار وزير الصناعة والطاقة والمناجم الذي صدر في 14/3/ 2014 والذي أسس امتياز استغلال مواد معدنية من المجموعة الرابعة بالمكان الذي يعرف ب”سبخة الغرة” بولايتي المهدية وصفاقس لفائدة “كوتوزال” لمدة ثلاثين سنة تضمن خروقات جوهرية متعددة موجبة للإلغاء، فان حزب التكتل رفع قضية في تجاوز السلطة أمام المحكمة الإدارية منذ ماي 2014 طالبا فيها القضاء بإلغاء القرار المذكور وارتأى من الضروري أن يعلم الرأي العام بمستجدات القضية.
ومن جهة أخرى، ونظرا لكون اتفاقية اللزمة المبرمة بين الدولة التونسية وشركة “كوتوزال” والمصادق عليها بالأمر العلي بتاريخ 6 أكتوبر 1949 ستتجدد ضمنيا لمدة 15 سنة ابتداء من أكتوبر2029 بنفس الشروط الغير عادلة للدولة التونسية ان لم تقم الدولة بالإجراءات اللازمة قبل أكتوبر2019 قصد إنهائها، يهم حزب التكتل أن ينبه بالعواقب الوخيمة ان تم تجديد اتفاقية ابرمت في عهد الاستعمار ولا تزال تخضع الى الشروط التي حددها المستعمر وأن يحتفظ بحقه في الالتجاء للقضاء لتحميل رئيس الحكومة مسؤوليته ان لم يحرك ساكنا لمنع التجديد علما وأنه سبق أن قام التكتل وهو في الحكم بإنذار شركة “كوتوزال” بضرورة دفع ضرائبها وفق ما نصت عليه الاتفاقية مثلما سيقع شرحه.
 
1/ فيما يخص القضية المرفوعة من قبل التكتل ضد كل من وزير الصناعة والطاقة والمناجم وشركة “كوتوزال”:
 
رفع إذا التكتلهذه ال قضية في ماي 2014 ضد كل من وزير الصناعة والطاقة والمناجم وشركة “كوتوزال” أمام المحكمة الإدارية طالبا القضاء بإلغاء قرار وزير الصناعة والطاقة والمناجم الذي صدر في 14/3/2014 (القرار) وهي لا تزال الى حد اليوم في طور التحقيق. 
وطعن التكتل في القرار لأنه تضمن خروقات جوهريّة متعدّدة موجبة للإلغاء ولخرق الشركة التّي أسّس لفائدتها امتياز الاستغلال للقانون الجبائي.
 
-أ- فيما يخص خرق الشكليّات الجوهريّة لتأسيس امتياز الاستغلال: 
– فيما يتعلق بخرق الفصل 13 من دستور الجمهورية الثانية:
 
نص الفصل 13 من الدستور أنها تعرض عقود الاستثمار المتعلّقة بالثروات الطبيعيّة على اللجنة المختصة بمجلس نواب الشعب وتعرض الاتفاقيات التي تبرم في شأنها على المجلس للموافقة.
كما أكد الفصل 148 من الدستور في باب الاحكام الانتقاليّة، وفي فقرته الخامسة أنه “يواصل المجلس الوطني التأسيسي القيام بصلاحياته التشريعيّة والرقابيّة …. المقرّرة بالقانون التأسيسي المتعلّق بالتنظيم المؤقت للسلط العموميّة أو بالقوانين السارية المفعول الى حين انتخاب مجلس نواب الشعب.
وبالتالي فكان على وزير الصناعة أن يعرض اتفاقية اللزمة على المجلس الوطني التأسيسي للموافقة قبل اتخاذ القرار موضوع الطعن. فخلافا لما يدعيه الضد، يدخل الفصل 13 من الدستور حيز التنفيذ بمجرد نشر الدستور في الرائد الرسمي ولم يكن يستلزم ذلك اصدار القوانين التكميلية لأن الاجراء المنصوص عليه بالفصل 13 من الدستور لا يتناقض مع القانون المتعلق بإصدار مجلة المناجم الذي لا يمثل إذا حاجبا خاصة وأنه صدر قبل صدور القاعدة الدستورية وأن القاعدة الدستورية لا تتعارض معه. ويتبين إذا أن تطبيق “نظرية القانون الحاجب” لا يستقيم في قضية الحال وأنه يجب اعتماد “نظرية الحاجب القانوني الشفاف” التي تمكن القاضي الإداري من تجاوز القانون نظرا وأن هذه القاعدة تؤكد أهلية القاضي الإداري من النظر في احترام مقرر اداري لمقتضيات الدستور عندما لا يحتوي القانون على أي قاعدة قانونية تفصل المقرر الوزاري عن الدستور أو تتعارض معه.
 يتبين إذا أنه كان يجب تفعيل الفصل 13 من الدستور، علما وأن الاجراء المنصوص عليه في الفصل 13 من الدستور يماثل مصادقة المجلس على تعيين محافظ البنك المركزي قبل اصدار رئيس الجمهورية لأمر رآسي طبقا لمقتضيات الفصل 78 من الدستور. وتجدر الإشارة أنه عند تعيين السيد الشاذلي العياري على رأس البنك المركزي، تم تعيينه بتطبيق الدستور الصغير وبدون تنقيح قانون البنك المركزي. 
اعتماد القاضي الإداري الى نظرية الحاجب القانوني الشفاف” تجعل السلطة القضائية ضامنة لعلوية الدستور وسيادة القانون ولحماية الحقوق التي كلفها بها الفصل 102 من الدستور. ويجدر التذكير بأن القاضي الإداري الذي توجه اليه التكتل هو الجهة الوحيدة التي يمكن لها أن تضمن للمواطن حقه في التقاضي الذي ضمنه له الفصل 108 من الدستور لحماية حقه الدستوري في مراقبة التصرف في الثروات الطبيعية عبر ممثليه المنبثق عن ملكية الشعب للثروات الطبيعية المنصوص عليها في الفصل 13 من الدستور وعن حقه في التصرف في ثرواته الطبيعية المنصوص عليه في الفصل 21 من الميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب.
 
أما فيما يتعلق بمسألة الرأي بالموافقة من اللجنة الاستشاريّة للمناجم بتاريخ 6/9/2013 فيما يخص الملف الذي قدمته “كوتوزال” للحصول على امتياز الاستغلال، وخلافا لما يدعيه الضد، فان رأي اللجنة الاستشارية رأي استشاري اداري لا يلزم الوزير ولا يعوض بأية حال رأي المجلس بما أن القرار هو الذي يؤسس امتياز الاستغلال وليس رأي اللجنة وللوزير السلطة التقديرية في منحه من عدمه علما وأن الفصل 12 من مجلة المناجم ينص على أنها تبدي رأيا وجوبا وليس وجوبيا هذا بالإضافة الى أن الفصل 12 المذكور وصف اللجنة بكونها استشارية ولا تقريرية.
 
-فيما يتعلق بخرق مجلة المناجم: 
*خرق شرط تقديم الشركة لموافقة الوكالة الوطنية لحماية المحيط المنصوص عليها في الفصل 46 من مجلة المناجم في الآجال القانونية:
 
يوم 07 سبتمبر 2013 كان آخر يوم في فترة صلاحية رخصة الاستكشاف التي تحصلت عليها شركة “كوتوزال” في 08 سبتمبر 2010 لمدة ثلاثة سنوات، وبالتالي آخر يوم لاستكمال ملف مطلب منح امتياز استغلال. لكنه تبين أن مطلب تأسيس امتياز الاستغلال الذي تم تقديمه للإدارة العامة للمناجم في 17 جوان 2013 والذي عرض على اللجنة الاستشارية للمناجم في 06 سبتمبر 2013 لم يكن مطابقا للشروط المنصوص عليها في القرار المنصوص عليه في الفصل 46 من مجلة المناجم والصادر في غرة مارس 2004 المتعلق بضبط طرق إيداع مطالب السندات المنجمية والذي يقتضي في الفقرة 6 من الفصل 9 أن يرفق مطلب الإيداع بمخطط التطوير المنصوص عليه بالفصل 45 من مجلة المناجم والذي يجب أن يحتوي على دراسة التأثير في المحيط طبقا للتشريع الجاري به العمل. ويجدر الإشارة أن الإدارة طلبت من شركة كوتوزال ” بموجب المراسلة من المدير العام للمناجم الى المدير العام للشركة كوتوزال أن يمده بالوثيقة المذكورة بتاريخ 25 سبتمبر 2013، أي خارج الآجال المنصوص عليها في الفصل 47 من مجلة المناجم. 
 
*خرق وجوبية نشر كراس الشروط بمراجعة الرائد الرسمي عدد 24 الذّي تم به نشر القرار موضوع الطعن:
 
 نص القرار المذكور على أنه بعد الاطلاع على عدد من الوثائق ومن بينها على كراس الشروط الملحق بالمطلب المذكور والمحدد للالتزامات التي تعهد بها الطالب تطبيقا لأحكام الفصل 144 من مجلة المناجم المشار اليها أعلاه”.
وحيث لم يتم نشر كراس الشروط الملحق لطلب تأسيس الامتياز طبق القانون.
وحيث استقرّ فقه قضاء المحكمة الاداريّة على وجوب نشر الملاحق باعتبارها جزء لا يتجزأ من النص القانوني المصادق عليها أو المنشور للعموم، وهو ما يجعل قرار وزير الصناعة عرضة للإلغاء من هذه الوجهة.
 
يتضح إذا أن تمكين “كوتوزال” من امتياز استغلال في سبخة الغرة جاء خارقا للإجراءات المنصوص عليها بالدستور وأيضا تلك التي اشترطتها مجلة المناجم ونصوصها التطبيقية مما يبين أهمية عرض الاتفاق على المراقبة البرلمانية تفعيلا لمبدأ الحوكمة الرشيدة المكرس في توطئة الدستور التي تعتبر مصدر للقانون الإداري.
 
-ب- في خرق شركة “كوتوزال ” المنتفعة بامتياز الاستغلال للقانون الجبائي:
 
اشتراط الموارد المالية لمنح امتياز استغلال لا يمكن أن يكون على حساب الدولة التونسية متى ثبت أن الشركة طالبة امتياز الاستغلال لها قدرة مالية من أسبابها هو التهرب الضريبي الذي ألحق مضرة بالدولة التونسية. وشركة “كوتوزال” بصفتها مستثمرة لملاحات أخرى في تونس منذ عهد الاستعمار امتنعت من خلاص الإتاوات للدولة التونسية مما يحول دون منحها لأي امتياز استغلال للثروات الطبيعية.
 
فعندما تقلد التكتل حقيبة وزارة المالية، راسل وزير المالية المدير العام لوكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي بتاريخ 10ماي 2013 بناء على تقرير في نشاط الشركة المذكورة وعلى الموازنات المالية للفترة المتراوحة بين 2007 و2012 مذكرا بالإتاوات التي لم يقع استخلاصها وأنه يمكن حسب مقتضيات الفصل 18 من اتفاقية 1949 فسخ عقد اللزمة كنتيجة لعدم خلاص هذه الاتاوات عن طريق حجب المعطيات للتهرب من الايفاء بها.  
 
ويتبين إذا أن هذه المراسلة تمت قبل انعقاد اللجنة الاستشارية للمناجم بتاريخ 06 سبتمبر 2013 التي تشمل من بين أعضائها عضو ممثل لوزارة المالية وتحديدا ادارة الجباية. وكان بالتالي من المفروض أن لا تبدي اللجنة الاستشارية للمناجم برأي إيجابي خاصة وأن الفصل 11 من مجلة المناجم اقتضى أنه لا يمكن أن تباشر أنشطة استكشاف المناجم والبحث عنها و استغلالها الا من قبل: 
-أ- الدولة التونسيّة حسب طرق يتم ضبطها بأمر
-ب- “الأشخاص الطبيعيون او المعنويين التونسيين أو الأجانب والذّين يتمتعون بموارد ماليّة وبقدرات فنيّة كافية للقيام بتلك الأنشطة في أحسن الظروف” وأن القدرة المالية لا يمكن أن يكون سبب من أسبابها هو التهرب الضريبي الذي ألحق مضرة بالدولة التونسية خاصة وأن عدم خلاص الضرائب هو عادة سبب لفسخ عقد اللزمة ولا لإسنادها مثلما يتبين ذلك من اتفاقية 1949 ، مما يتجه معه الغاء قرار وزير الصناعة موضوع الطعن لمخالفته للتشريعات التونسيّة السارية المفعول وخرقه لمبدأ سيادة الدولة الذّي لا يجيز للمتهربين الجبائيين الانتفاع بامتيازات الدولة لإخلالهم بواجب الامانة في تنفيذ العقد.
 
2/ فيما يخص اتفاقية اللزمة المبرمة بين الدولة التونسية وشركة “كوتوزال” في 1949 
أبرمت هذه الاتفاقية في 1949 ولا تزال شركة “كوتوزال” تستغل الى حد اليوم ميلاحات طينة والساحلين بالشروط التي تعود الى زمن الاستعمار.
لم تبادر الدولة التونسية قبل موفي سنة 1989 أي عشرة سنوات قبل انهاء الاتفاقية في 1999 مثلما يقتضي ذلك فصلها الثالث بطلب انهاء هذه الاتفاقية فتمددت ضمنيا لمدة خمسة عشر سنة إضافية وذلك في مناسبتين وهي ستبقى سارية المفعول الى حدود 2029 بنفس الشروط المجحفة في حق الدولة التونسية وستتجدد مرة أخرى اذا لم تتخذ الإجراءات اللازمة لإنهائها قبل أكتوبر 2019.
 
ويجدر التذكير أنه وفي كل الحالات بإمكان الدولة التونسية فسخ عقد اللزمة كنتيجة لعدم خلاص الشركة للإتاوات حسب مقتضيات الفصل 18 من الاتفاقية بما أنه تبين من مراسلة وزير المالية الى المدير العام لوكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي بتاريخ 10 ماي 2013 أن شركة “كوتوزال” تمتنع على دفع الإتاوات علما وأنها لم تنف أنها لم تدفع الإتاوات وهي لم تنكر ذلك لكنها بقيت تناقش طريقة الاحتساب. 
 
وعلى أساس كل ما سبق ذكره واحتراما لمبدأ العدل والانصاف والمساواة أمام القانون ولمبدأ سيادة الدولة على مواردها الطبيعية منها والجبائية فان حزب التكتل رفع قضية أمام المحكمة الإدارية طالبا فيها القضاء بإلغاء قرار وزير الصناعة والطاقة والمناجم الصادر في 14/3/2014 وهو يدعو الدولة التونسية الى مراقبة الإنتاج وكميات التصدير من الملح لمراقبة كمية الإنتاج والربح المنجر عنه ويطالبها بإنهاء العمل باتفاقية 1949 وبالقيام بالإجراءات في الغرض قبل أكتوبر 2019.