عاشت تونس في مثل هذا اليوم إعلان الجمهورية و التخلي عن النظام الملكي بعد أن استعادت استقلالها و واصلت في ما بعد نضالاتها من أجل إسترجاع السيادة الوطنية كاملة و اجلاء آخر قاعدة عسكرية اجنبية في سنة 1963.

منذ الإعلان عن الجمهورية و تأسيس الجمهورية الأولى في 25 جويلية 1957 اصبح التونسييون مواطنين بعد أن كانو رعية الملك و مثلت هذه الخطوة ثورة حقيقية في طبيعة العلاقة بين الشعب و الحاكم و لإن انزلق وطننا بعد ذلك في نظام رئاسوي أقرب للملوكية منه إلى الديمقراطية فإن طبيعة النظام الجمهوري مكنت من المحافظة على أدنى قيم الجمهورية رغم ممارسات الأنظمة الاستبدادية المتعاقبة و ما تسببت فيه من اعتداء على مقومات الجمهورية من حقوق و و حريات و مبادئ المواطنة و التداول السلمي على السلطة.

إن هذه الاعتداءات المتواصلة جعلت المواطن يثور في ديسمبر 2010 و جانفي 2011 على النظام الاستبدادي المعتدي على مبادئ الجمهورية و أن يؤسس الجمهورية الثانية التي جاء بها دستور 2014 و يستعيد حقوقه كاملة و سيادته كشعب و على مواطنته بترسيخ نظام ديمقراطي حقيقي يحمي الحقوق و الحريات و يرسخ مبادئ المواطنة و التداول على السلطة و فصل الدولة عن الأحزاب و فصل السلط في ما بينها.

و بهذه المناسبة نهنئ الشعب التونسي بعيد الجمهورية التونسية و نعبر عن التزامنا بالنضال من أجل الدفاع عن وطننا و سيادته، عن جمهوريتنا و حقوق مواطنيها، عن دولتنا و استقلاليتها، و عن ثورتنا و مطالبها.

و دفاعا عن الجمهورية و مبادئها فإننا في حزب التكتل نعلن عن تمسكنا بالسيادة الوطنية التي نعتبرها اليوم مهددة و نعلن عن رفضنا المطلق لأي تواجد الرسمي لأي هيكل عسكري او استخباراتي أجنبي على تراب وطننا في إطار ما يروج من أخبار متواترة حول هذه الإمكانية. إن هذه الفرضية لو تحققت فإنها ستكون سابقة خطيرة في التنازل عن السيادة الوطنية بعد 52 سنة منذ إجلاء آخر جندي اجنبي من تراب بلادنا و ستكون اعتداءا صارخا على استقلالنا الوطني و على أحكام الدستور.

كما نستنكر الانزلاق الذي نعاينه في مجال التداخل بين الحزب الحاكم و هياكل الدولة و تصرفات ممثلي الحزب الحاكم كممثلين للدولة في حين أن لا صفة لهم فيها. و إضافة إلى ذلك فإننا ننبه السلطة التنفيذية من الخلط بين السلط و الميل إلى نظام رئاسوي مخالف لأحكام الدستور و نطالب باحترام الفصل بين السلط و الصلاحيات الدستورية لرئاسة الجمهورية و الحكومة.

كما أننا في حزب التكتل نعلن رفضنا لمشروع قانون “المصالحة الاقتصادية والمالية” الذي تقدم به رئيس الجمهورية وتبناه مجلس الوزراء بتاريخ 14 جويلية 2015 و الذي سيعرض على مجلس نواب الشعب و يطلب سحبه للأسباب التالية:

– مخالفة مشروع القانون للدستور إذ أنه يرسي مسارا موازيا للعدالة الإنتقالية خلافا لما أقره الدستور في منظومة العدالة الانتقالية و إلزامه للدولة بتطبيقها في جميع ميادينها.

– مخالفة المشروع لمبدأ الفصل بين السلط إذ بجعل العدالة الإنتقالية من أنظار السلطة التنفيذية من خلال تدخلها في آلية التحكيم.

– إفراغ العدالة الإنتقالية من محتواها فإن المصالحة الحقيقية هي نتيجة لا يمكن التوصل إليها إلا عبر كشف الحقيقة و المسائلة و المحاسبة و الإعتراف و الإعتذار و جبر الظرر حتى يتحقق الهدف الأسمى و هو المصالحة الوطنية الحقيقية و تفكيك منظومة الفساد و ضمان عدم التكرار و إرساء دولة القانون و الشفافية و الحوكمة الرشيدة.

– خطورة هذا المشروع الذي يكرس مبدأ الإفلات من العقاب و يضرب الاقتصاد من خلال تشجيعه للفساد ويحرم المواطنين من الإنتفاع من إسترجاع أموال الدولة المنهوبة (و الآجال المعتمدة بمشروع القانون تؤيد ذلك). إن الافلات من العقاب يعتبر اعتداءا صارخا على روح العدالة التي لا يمكن أن تتم بطي صفحة الماضي بدون أخذ العبرة فمثل هذا العبث بالعدالة الإنتقالية سيعمق الفجوة بين التونسيين و الإحساس بإنعدام العدالة و سيرزرع الإحساس بالظلم و حتى النقمة و سيهدد بذلك مستقبل البلاد.

كما نعلن في حزب التكتل دعمنا الكامل لهيئة الحقيقة و الكرامة المستهدفة حاليا من طرف الأطراف الرامية إلى قبر مسار العدالة الانتقالية و تعويضها بالعدالة المعاملاتية التي تؤسس للظلم كمبدأ و للإفلات من العقاب و تواصل و استفحال الفساد و ما يترتب عنه من تهديدات لمستقبل شعبنا و لإستقرار بلادنا و ازدهارها.

عاشت تونس حرة مستقلة عادلة ضامنة للحقوق و الحريات

عاشت الجمهورية.

تونس في 25 جويلية 2015

دنيا بن عصمان

الناطقة الرسمية لحزب التكتل