المؤشرات والبوادر الإيجابية للخروج من الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد والمتمثلة في تقدم المفاوضات والتوافقات المنبثقة عن المنظمات الأربعة الراعية للحوار الوطني  وقراءة  متمهنة في الوضع السياسي والاجتماعي الراهن بالبلاد كانت هذه أهمّ المحطات التي وقف عندها رئيس المجلس الوطني التأسيسي، مصطفى بن جعفر خلال الحوار التلفزي الذي بثته التلفزة الوطنية الأولى في سهرة يوم أمس الخميس 12 سبتمبر 2013.

وإثر قرار إعادة أشغال المجلس، اُتهم مصطفى بن جعفر بتنكره لعهوده بما أنه أعلن يوم 6 أوت أنه سيعلق أشغال المجلس إلى ان ينطلق الحوار الوطني. فهل فعلا تنكر رئيس المجلس الوطني لعهوده ؟وفي إجابة عن هذا السؤال أبرز مصطفى بن جعفر أن قرار تعليق المجلس الوطني أن “المتمعّن في الوضع قبل 6 أوت الذي عاشته بلادنا وهذا الانقسام الذي تعيشه الساحة السياسة والشارع التونسي بصفة عامة يتبيّن أننا نعيش أزمة ثقة حادة نعم أزمة ثقة بين كل الأطراف ولّدت كل هذا الاحتقان وهذا التصدع لذلك كان قرار تعليق الأشغال إلى حين انطلاق حوار وطني يجمع كل الفرقاء السياسيين دعوة للتعقل والاتزان دعوة للتقارب والتشاور من أجل التقليص من حدّة الأجواء التي كانت مشجونة بالتوتر والتصدع…فقرار التعليق كان قرارا سياسيّا وطنيّا من أجل وحدة هذا الوطن والوقوف صرحا موحدا ومتينا لكل محاولات الانشقاق والتمزق داخل الشعب”.

وأكد مصطفى بن جعفر أنّه باعتباره رئيسا  للمجلس الوطني التأسيسي يقف على نفس المسافة من كل الفرقاء السياسيين وأنه بعد حوالي شهر من تاريخ  6 أوت فإن نقاط الاتفاق أصبحت أكثر بكثير من نقاط الخلاف.

واضاف بن جعفر أنّه “اليوم نتيجة اللقاءات والحوارات التي جمعت جل الفرقاء السياسيين ومختلف مكونات المجتمع المدني وذلك برعاية المنظمات الأربعة الراعية للحوار الوطني اليوم لم نعد نتحدث عن خطوط حمراء والآراء أصبحت متفقة حول ضرورة تعويض الحكومة الحالية بحكومة كفاءات مستقلة ترأسها شخصية وطنية مستقلة إلى جانب التأكيد على ضرورة إتمام المسار الانتقالي التأسيسي في إطار المجلس الوطني التأسيسي باعتباره السلطة الأصلية المؤهلة لذلك بقي تحديد رزنامة العمل لننطلق في المرحلة الأخيرة من إتمام المسار الانتقالي الديمقراطي الذي تعيشه بلادنا”.

وأكد بن جعفر أن كلّ المؤشرات تشير إلى انفراج الأزمة الحالية وأنّ نهاية هذا الأسبوع سيشهد تجسيما وتجسيدا لذلك كتتويج لكل جهود المنظمات الراعية للحوار الوطني التي عملت بنسق مراطوني منذ تاريخ 6 أوت للوصول إلى جعل من الجلوس على طاولة الحوار ضرورة حتمية تفرضها المصلحة الوطنية.

وبيّن مصطفى بن جعفر أن قرار تعليق أشغال المجلس كان قرارا شخصيّا أملته عليه مسؤوليته الوطنية باعتباره رئيسا للمجلس الوطني التأسيسي وأكد بأن المسؤولية الوطنية تستوجب شجاعة سياسية ومصلحة تونس هي التي تحدّد قراراته.

وبيّن بأن قرار عودة أشغال المجلس هو قرار يتماشى مع تطور الأوضاع وتقارب جميع الفرقاء السياسيين وأوضح في هذا الإطار بأن عودة الأشغال كانت بطريقة تدريجية شملت في مرحلة أولى اجتماع مكتب المجلس كخطوة أولى تستجيب لقواعد النظام الداخلي للمجلس تلته بعد ذلك ندوة الرؤساء واستئناف أعمال اللجان إلا أنّ الاتجاه العام في تحديد أعمال المجلس يتجه نحو النظر في القوانين المستعجلة وأن كل ما يهمّ المهام التأسيسية سيستأنف بعد عودة كل النواب المنسحبين والذي عبّر مصطفى بن جعفر عن أمله الكبير في عودتهم إلى بيتهم لإتمام المهام التي انتخبوا من أجلها وأهمّها صياغة الدستور وقانون الانتخابات إلى جانب قانون العدالة الانتقالية.

وأوضح مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي بأن كلّ نقاط الاختلاف التي تظهر لنا اليوم يمكن أن نجد لها حلا بكل عقلانية وبكل حكمة هدفنا في ذلك الوصول إلى الانتخابات القادمة في أحسن الظروف لتأمين انتخابات نزيهة تعددية وشفافة نكون مهيئين لتقبل نتائجها بكل ديمقراطية وتكون فاتحة خير على هذا الوطن وهذا الشعب للمرور إلى مرحلة الاستقرار والبناء والإصلاح والمصالحة الوطنية التي هي جوهر كل ثورة ناجحة أساسها العدالة الاجتماعية وعمادها مسار ديمقراطي متين. وبين أنه إذا  كان الاختلاف حول سير اعمال المجلس الوطني التأسيسي فنحن قادرون بان نضع رزنامة واضحة ودقيقة تحدد لنا انتهاء أعماله بالمصادقة على الدستور بأغلبية مريحة تعكس روح التوافق الذي ميز صياغة هذا المشروع الذي يمثل ترجمة واضحة لمفهوم التشارك والتوافق من أجل دستور تونسي يمثل كل تونسي مهما اختلفت انتماءاته وتوجهاته  من نواب وخبراء وممثلين عن مختلف مكونات المجتمع المدني  . وقال “إن كان اختلافنا قائما حول عدم رضاء على مردود الحكومة ومطالبة عاجلة باستقالتها وتكوين حكومة مصلحة وطنية أو حكومة إنقاذ وطني فكل الحلول واردة ولامجال للوصول إليها إلا بالجلوس حول طاولة الحوار الذي يجمع كل الأطراف دون تمييز أو إقصاء.

“وشدد مصطفى بن جعفر على أن أزمة الثقة التي يعيشها كل الفرقاء السياسيين لا يمكن لها أن تزول إلا عن طريق ضمانات متبادلة يقدمها كل طرف لطرف الآخر لتكون انطلاق مرحلة جديدة مبنية على الثقة المتبادلة التي يجب بعد ذلك أن نمررها إلى المواطن التونسي الذي سئم كل هذه الأجواء المشحونة بالبغضاء والتوترات والتي ساهمت بقدر كبير في تشويه صورة رجل السياسة لدى الشارع التونسي والذي فقد هو الآخر الثقة في الخطاب السياسي الذي أصبح يعتبره وسيلة للوصول إلى الحكم لا غير.

ودعا مصطفى بن جعفر كل الفرقاء السياسيين إلى ترك كل هذه الخلافات والتجاذبات السياسية والعمل على التفكير في المواطن العادي والبسيط في مشاكله الاجتماعية في تطلعاته التي لم تعد موضع اهتمام منهم. وأكد بأن على كل الفرقاء السياسيين أن يعطوا إشارة طمأنة إلى هذا الشعب ونحن على مشارف العودة المدرسية وانطلاق سنة جديدة.

وأكد في هذا الإطار بأن كل الخلافات يمكن حلها في إطار الاحترام المتبادل والذي يجعل من المصلحة الوطنية الهدف الأول والأخير لكل الأطراف. وفي نفس هذا السياق، أكد بن جعفر على أهمية الابتعاد عن الخطابات النارية وإلى أسلوب تبادل الاتهامات بأسلوب مشين يدعو إلى تكريس الاستقطاب الثنائي الذي من شأنه أن يزيد في تعكير الأجواء العامة وفي هذا  الإطار نوه بالدور الذي تقوم به الهيئة العليا المستقلة  للاتصال السمعي البصري في إرساء تقاليد جديدة تنظم القطاع وترتقي بالخطاب الإعلامي إلى المستوى الأخلاقي الذي يجمع بين قدسية حرية التعبير وأخلاقيات المهنة. أعتبر في هذا السياق أن سجن رجل إعلام من أجل أفكاره وأراءه يمثل أمرا غير مقبول بل ومرفوض أساسا. وأضاف مصطفى بن جعفر إنّنا واعون بحجم الانتظارات كما أننا نقدر ترقب شعبنا إنهاء أعمال المجلس الوطني التأسيسي بالمصادقة على الدستور وإنهاء  المرحلة الانتقالية الصعبة وسط تحديات أمنية واقتصادية ضاغطة وظروف دولية وإقليمية دقيقة تتسم بالتحولات السريعة والمفاجئة التي تلقي بظلالها على بلادنا. وتابع “عملنا ومنذ بداية عمل المجلس الوطني التأسيسي في 22 نوفمبر 2011 على الوفاء بتعهداتنا خصوصا في كتابة دستور توافقي واخترنا الانفتاح على رؤية تشاركية ساهمت فيها كل القوى الوطنية من المجتمع المدني والقوى السياسية والخبراء المختصين وهي نقطة ضوء بارزة سرنا على هديها والتزمنا بها”. وأضاف “خيرنا أن نعمل بنسق يعادل بين السرعة والتاني وإعطاء الفرصة والوقت للحوار والنقاش بين مختلف الأطراف وتقريب وجهات النظر فنحن نعلم مخاطر التسرع وما قد يوقعنا فيه من أخطاء يصعب تداركها”.وقال “عمل المجلس الوطني التأسيسي وفي إطار الرؤية التشاركية على إدارة برنامج الحوار الوطني حول المضامين الدستورية وقد شارك في هذا الحوار أكثر من 5000 مشارك من التونسيين داخل البلاد وخارجها ودارت أعمال اللجان التأسيسية في تفاعل مع كافة المقترحات والأفكار والتصورات والرؤى الإيجابية التي تم طرحها مع جميع الأطراف وعلى  كافة المستويات”.

وتابع “بالطبع كل هذه الأعمال تتطلب وقتا لم يكن من اليسير حصره إذا اعتبرنا طبيعة المسار الذي اخترناه والذي تؤكد التجارب المقارنة يوما بعد يوم صوابه بالإضافة إلى ما يحف هذه المرحلة الانتقالية من صعوبات وعراقيل وأحداث تجد صداها في نقاشات المجلس وتقطع بدورها حيزا زمنيا مهما إضافة إلى تعدد مهام المجلس على مستوى التشريع ومراقبة عمل الحكومة والمصادقة على قانون الميزانية”. وأكّد “نحن من جهتنا كرئاسة مجلس وطني تأسيسي  سنعمل بالسرعة القصوى على إتمام أعمالنا وأهمها المصادقة على الدستور في إطار توافق كبير في اجل لا يتعدى شهر أكتوبر والمصادقة على القانون الانتخابي الذي حصلت بشأنه توافقات مهمة جدا في جولات الحوار الوطني السابقة، أمامنا أيضا ملف هام وهو مناقشة قانون العدالة الانتقالية”. وقال “قد نجد في حجم الطلبات وطول الانتظارات ما يبرر نفاذ الصبر ويفسر تقلص الثقة في مؤسسات الدولة خاصة لدى الشباب العاطل الذي لم يلمس ثمرة الثورة ونتيجة تضحياته ولكن كلنا يعلم ومن خلال التجارب المقارنة أن الديمقراطية تبنى في إطار دولة القانون لا بدعوات التمرد والانقلاب. “وأضاف مصطفى بن جعفر أنّ الثورة أعطتنا فرصة تاريخية ثمينة جدا وتونس تستحق عن جدارة هذه الفرصة لبناء ديمقراطي ولجمهورية تقوم على قيم الحرية والفصل بين السلطات وإرجاع السيادة للشعب عبر الحكم التشاركي وتوسيع قاعدة اللامركزية وبناء أسس التعايش السلمي على أساس المواطنة والمساواة والعدالة. من جهة أخرى، دعا مصطفى بن جعفر أن على كل الأطراف من رئاسة جمهورية ورئاسة حكومة ورئاسة مجلس وطني تأسيسي أن تتحمل مسؤولياتها وتضطلع بواجباتها التي من شأنها أن تجعلنا نتفهم أكثر أوجه الأزمة التي تعيشها البلاد. وأكد أنّ كل طرف مسؤول عن الوضع الحالي الذي تعيشه البلاد وعلى الجميع العمل من اجل الخروج بالبلاد إلى بر الأمان. وتطرق مصطفى بن جعفر في نقطة أخيرة إلى دور حزب التكتل باعتباره طرفا في الترويكا واعتباره مبادرا بالدعوة إلى حكومة غير متحزبة وكان السؤال حول لماذا لم يقدم وزراء التكتل استقالتهم كخطوة أولى نحو هذه الحكومة المتحزبة التي ينادون بها. وكإجابة عن هذا السؤال أبرز مصطفى بن جعفر أنّ “التكتل استطاع أن يضغط من داخل الترويكا وكانسلاحه في ذلك الإقناع بان حكومة كفاءات مستقلة هي الخيار الامثل للمرحلة ما بعد التأسيسية ولذلك اختار التكتل أن يكون فاعلا داخل الترويكا ولكن لا لشيء سوى الاستجابة للمصلحة الوطنية التي يفرضها الوضع الراهن في البلاد”.وأضاف مصطفى بن جعفر أنّ حزب التكتل كان أول من نادى بالتوافق والتقارب من اجل المصلحة الوطنية وكان دخوله في ائتلاف حركة النهضة من اجل تحقيق المصلحة الوطنية في فترة دقيقة من المسار الانتقالي التأسيسي الذي تعيشه البلاد وكان أن تحاملت علينا كل الأطراف ونعتنا بكل نعوت الخيانة والتنكر للمبادئ والوعود الانتخابية ولكن ما نراه اليوم هو تقارب نداء تونس مثلا مع حركة النهضة من خلال هذه الدعوة للحوار الوطني ولكن كما نلاحظ لم يثر هذا التقارب حفيظة أي طرف بل ذهب الكثيرون إلى مباركة هذه الزيجة وعاد الجميع إلى ما نادينا به وكنا أول من قام بذلك تقرب من أجل المصلحة الوطنية.وأكد مصطفى بن جعفر أن التنازلات في إطار حوار وطني لا يجب أن يفهم بعقلية المنهزم والمنتصر لان تونس تسعى من وراء هذه التجربة الديمقراطية الرائدة أن تقول لا للفشل وأن تكون كل الأطراف منتصرة وانتصارها لا يمكن أن يتجسم إلا من خلال مصلحة وطنية تكون فوق كل الاعتبارات وهذا يجب أن يتحقق بتوفر رغبة جدية ومسؤولة للخوض في حوار وطني جدّي من اجل إتمام هذه المرحلة الأخيرة من هذا المسار الانتقالي الديمقراطي الريادي الذي تعيشه بلادنا.