يقترب تدريجيا الاستحقاق الانتخابي في تونس وهو الأول على مستوى انتخاب الشعب التونسي لرئيس للجمهورية بطريقة حرة وديمقراطية ومباشرة بعد الثورة التونسية في 14 يناير/كانون الثاني 2011.

الاستحقاق الأول هو الانتخابات التشريعية المقررة في 26 أكتوبر/تشرين الأول، والثاني هو الانتخابات الرئاسية المقررة في 23 نوفمبر/تشرين الثاني.

وستجري الانتخابات التشريعية بتونس في 26 أكتوبر من هذه السنة والرئاسية في 23نوفمبر ، وبدأت معها الحملات والتصريحات القوية والمواقف الكلامية المتضادة وسط تنافس تزداد مع الأيام ضراوته.

ورغم وصول عدد المرشحين للرئاسة الى سبعين مرشحا وهو رقم قياسي غير مسبوق في تاريخ تونس والمنطقة العربية إلا أن عدد المتنافسين جدّيا لهذا المنصب لن يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة حسب المتابعين للشأن التونسي.

وكان لـ”عربي 21″ حوار حصري مع الدكتور مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي وأحد أبرز المنافسين لمنصب رئيس الجمهورية تحدث فيه عن تجربة الترويكا وتحالف العلمانيين والاسلاميين في الحكم ومساهمتهم في التوافق على دستور بأغلبية تقارب الإجماع.

وأوضح بن جعفر لمتابعي “عربي 21” لأول مرة رأيه حول مسألة الانقلاب التي يتحدث عنها كثيرا أنصار حزب رئيس الجمهورية الحالي الدكتور منصف المرزوقي كما بيّن لنا بمقولة “السياسة تحسب بالنتائج ” عندما سألناه عن أسباب و نتائج غلقه للمجلس التأسيسي صيف 2013.
وفي ما يلي نص الحوار كاملا:
س / وعدتم بالاستقالة في حال ترشحكم لرئاسة الجمهورية، لماذا تراجعتم عن هذا القرار؟ 

ج / الإعلان عن رغبتي في الاستقالة كان جوابا تلقائيّا ومن القلب وأردت عبر ذلك ضمان تكافؤ الفرص بين جميع المتنافسين حتّى ينطلقوا من نفس الخطّ لكنّي لم أتخذ قرارا بهذا الشأن وذلك على خلفية اطلاعي على كثير من التفاصيل باعتبار اني عضو في المجلس الوطني للأمن,واستنادا إلى المعطيات المسجلّة فإنّه من غير المنطقي التخلّي عن المسؤوليّة في أكبر مؤسّسات الدولة بما من شأنه أن يحدث إرباكا وتعطيلا للمسار الانتقالي إذا حدث طارئ لا قدّر الله,كلّنا جنود باقون في مواقعنا خلال هذه الفترة الدقيقة التي تمرّ بها بلادنا من أجل الذود عن الوطن وحمايته من الأخطار المحدقة به.

س/ قراركم بغلق المجلس التأسيسي صائفة 2013 بعد اغتيال الشهيد محمد البراهمي شكّل نوعا من الصدمة لحلفاكم في الترويكا يومها وللطبقة السياسية عموما بسبب عدم استشارتك لحلفائكم فهل لهذا القرار تبعات إلى اليوم ؟

ج / هذا القرار ارتبط بالوضع الحرج الذي كانت تشهده البلاد بعد اغتيال النائب محمد البراهمي والتي تزامنت مع التعبئة الجماهيريّة الكبيرة المتعلّقة بالوقفة الشهريّة لاغتيال القيادي شكري بالعيد,والبلاد كانت وقتها على حافة شرارة وارتأيت ضرورة نزع فتيل الاحتقان وقتها رأيت بعدها أن يتمّ إيقاف أعمال المجلس لفترة,لم تتجاوز شهرا,ولقد سعيت في الأثناء إلى تقريب وجهات النظر وذلك من خلال لقاء الشخصيات السياسيّة المتخالفة حيث وضعت “البروتوكولات” جانبا وذهبت إلى منازل عديد القادة السياسيين ,وعملت على تكريس حوار وطني يشمل كلّ العائلات السياسيّة,ولم يطل توقيف أعمال المجلس لتفهم بعدها القيادات السياسيّة الرصينة أن تونس تحتاج الجميع.والنتيجة التي جلبها قرار التعليق هو ما نحن عليه اليوم من إنجاز دستور وقانون انتخابات,ونحن اليوم على مشارف انجاز انتخابات تشريعيّة ورئاسيّة بأقلّ التكاليف.

س / رأيكم حول تجربة الترويكا في الحكم ؟و هل كان لهذه التجربة دور في التوافق الذي صاحب التصويت على الدستور ؟

ج: / “الترويكا” أوصلتنا إلى دستور توافقي بمصادقة 200 صوت مقابل 216 وهو ما يدحض كلّ الأصوات التي تروّج للفشل و”الترويكا” شكلت مثالا يحتذي باعتبار نجاح أوّل تحالف يضمّ علمانيين وبين حزب ذا مرجعيّة دينيّة بهدف خدمة الصّالح العام,و”الترويكا” حققت إنجازات ونجاحات لا يمكن إنكارها أو نفيها في إطار من الوفاق الوطني بشكل أصبحت فيه التجربة رائدة في محيطها وفي إشعاعها الإقليمي والدّولي,”التجربة التونسيّة أكدت أنّ الإسلام والديمقراطيّة مسألة غير متناقضة

س / كيف وجدتم مهمة تسيير أعمال المجلس الوطني التأسيسي وما رافقها من محطات ؟ وهل كان لكم دور مصيري في محطة ما لإنهاء بناء دستور تونس الجديد ؟

ج / واكبت طيلة 3 سنوات أشغال المجلس بشكل كامل وكنت أحفّز الزملاء النواب على استكمال مهمّة المجلس في إنجاز الدستور وصياغة القوانين والتسريع في المصادقة على مشاريع القوانين المعروضة وتمكّنا بفضل التوافق من تجاوز كثير من العراقيل والصعوبات وقد تم بمبادرة منيّ بعث “لجنة التوافقات وكان ذلك بتنسيق واتفاق مع رؤساء الكتل النيابيّة وأيضا بالتشاور مع حركة النهضة باعتبارها الحزب ذات الغالبيّة التمثيليّة صلب المجلس. وتوّجت أعمالنا بدستور يؤسّس لدولة مدنيّة ديمقراطيّة تصان فيها الحريّات وتحفظ فيها الحقوق وتجسّد فيها علويّة القوانين كما أنجزنا قانونا انتخابيّا نستند إليه اليوم في كل مجريات العمليّة الانتخابية.

س / ما هو دوركم في المسار التوافقي الذي حدث في تونس إلى حد الآن وهل لكم أوراق انتخابية ستقدمونها في الأيام القادمة ؟

ثلاث سنوات في رئاسة المجلس الوطني التأسيسي راكمت من خلالها خبرات إضافيّة وتجربة تخوّل لي “زيادة عن تجربتي الطويلة ونضالات خضتها على مدى أكثر من 40 عاما” الترشّح للرئاسة هذا إلى جانب أنّ من ساهم إسهاما كبيرا في الدستور وسهر على كتابه هو أكثر المؤهّلين للسهر على تطبيق ما ورد فيه وأرى أن تونس تحتاج رئيسا يجمع ويؤلّف التونسيين وليس شخصا يفرّق ويشتّت والرئاسة تستحقّ دراية وإلماما وتستوجب الرصانة وحسن التسيير وخاصّة إدارة الأزمات في المراحل الصحبة وأراني أتحلّى بهذه الخصال ،وعلى كلّ حال فإن التونسيين يعلمون هذا الأمر جيّدا.

س / ما هو رأيكم حول العدد الكبير والقياسي في تاريخ تونس والمنطقة للمرشحين للانتخابات الرئاسية ؟

في ما يخصّ العدد الضخم للترشّحات فإن ذلك مؤشّر إيجابي على سلامة المناخ الديمقراطي بعد سنوات من الكبت والاستبداد لكن في المقابل الكثافة العدديّة للمرشحين من شأنه أن تهمّش وتضيع نسبة كبيرة من الأصوات هدرا ولا يكون لها وزن انتخابي.وسأدعو كلّ التونسيين دون استثناء لانتخاب مصطفى بن جعفر.

س / وحول تكافؤ الفرص للرئاسيات بخصوص المرشحين
هو أمر موجود وبالسبة لي لم استغلّ أيّ ذرّة نفوذ خلال 3 سنوات من رئاسة المجلس الوطني التأسيسي وليس لديّ صندوق أسود للنفقات وليس لدي امكانيّات ماليّة أمّا بالنسبة للحماية الأمنيّة التي يحسبها البعض لفائدتي فهي متوفّرة أيضا لجميع الشخصيّات الوطنيّة والسياسيّة وكثير غيرهم,لذلك فإنّ مسألة تكافؤ الفرص موجودة ولا يجب إخراجها عن سياقها الحقيقي.وفي ما يتعلّق بمنحتي فإنّها لم تتجاوز مستوى 5 آلاف دينار التي كانت مرصودة لرئيس المجلس سابقا.

س / موقفكم من الحرب على غزة ؟

ج / ليس هناك مسؤول تونسي لم يندّد بالعدوان على غزّة وكلنا نرغب في تشكيل حكومة “وحدة فلسطينيّة” ونعتبر ذاك أساسا من أسس القضيّة الفلسطينيّة فهي ليست قضيّة العرب والمسلمين فقط بقدر ماهي قضيّة انسانيّة عادلة والإعتداء الذي طال غزّة كانت فيه بوادرلتقوية اللحمة والتقارب بين جميع الفلسطينيين،والتحالف الفلسطيني خلال الحرب الأخيرة أفشل العدوان,وستظل فلسطين القضيّة الأمّ وعلى قائمة اهتماماتنا وشخصيا شرحت موقفي هذا في زياراتي الخارجية لعدد من البلدان الكبرى التي لها علاقة بالقضية.

س / رأيكم في ما يروج حول عمليات انقلابية كانت ستجرى في ؟

ج / حسب معلوماتي وبصفتي عضو في مجلس الأمن الأعلى الذي يرأسه رئيس الجمهورية لم أجد أي دليل لهذه الافتراءات
ولم يطرح هذا الموضوع مطلقا في المجلس الأمني الأعلى وأعتبر الترويج لمثل هذه الادعاءات يصنّف في خانه الشعبويّة المفضوحة والمزايدات السياسية الفارغة.

ولا مجال في تونس للانقلابات والانقلابيين وجيشنا وطني وعقيدته جمهورية والانقلاب عنده ممنوع ولا يجب أن ننسى الأيام الأولى لما بعد 14 جانفي 2011 يوم كان الجيش بإمكانه مسك السلطة ولكنه علا عن ذلك وعفّ .