حوار مع جريدة آخر خبر – الثلاثاء 08 مارس 2016

نتحدث اليوم عن مشهد سياسي مدجج بالأحداث والتحركات…تحوير وزاري تململ في المجلس حراك حزبي جديد وأنباء عن إمكانية تغيير رئيس الحكومة…أين انتم من مختلف هذه الأحداث؟

ما نعيشه اليوم لا يمكن فصله عمّا عشناه قبل انتخابات 2011، وللأسف لم نركز بما فيه الكفاية على القضايا التي تمس المواطن في حياته اليومية والمباشرة والمبرر السياسي لذلك هو كوننا ركّزنا على وضع القاعدة الجديدة لتونس التي تقوم على القطع مع منظومة الفساد والاستبداد وكانت الفكرة إحداث دستور جديد للبلاد،وبعد انتخابات 2011 كانت المأمورية الأصلية هو صياغة دستور ووضع قاعدة صلبة، وبعد ذلك كان الهاجس التحضير إلى الانتخابات والخروج من المؤقت إلى القار، ووقع الاتفاق على حكومة غير متحزبة بقيادة مهدي جمعة.

كنا نعتقد أنه بعد ذلك سيقع التركيز على القضايا الاجتماعية بما يشمله هذا المفهوم من حلول للمعطلين عن العمل،   و الفقر و التفاوت بن الجهات و الاستثمار في المناطق المهمشة …لكن وللأسف بعد المصادقة على الستور في 27 جانفي 2014  تواصلت الحملة وتواصل التركيز على الهوية وكأن الدستور لم يكن وهو ما جعل الأحزاب الفائزة في الانتخابات ومنها نداء تونس الذي راهن على تقسيم البلاد وإنهاء الترويكا لم ينجح في إدارة الحكم رغم ما تم ترويجه من وعود،وقد بان بالكاشف أنها وهمية.

اليوم “نقاسي” لأن الأحزاب الحاكمة لم تتهيأ للحكومة وركزت أغلب جهودها لكسب الرهان الانتخابي،ونحن اليوم أمام حالة من الارتباك العام على مستوى السلطة التنفيذية، وعلى مستوى السلطة التشريعية .

أين العائلة الاجتماعية الديمقراطية من مختلف هذه الأحداث؟

لا يمكن أن تتحول المسؤولية ممن يمسك المقود إلى أطراف المجتمع المدني،بمعنى أن المسألة اليوم ليست في مستوى النصيحة لأن الإرادة السياسية هي الغائبة لدى القيادة السياسية وصندوق الاقتراع قال كلمته وأعطى الأغلبية لأحزاب معينة ولكن ينقصهم الإرادة والرؤية والبرنامج وأسلوب العمل فتجربة 2012 و2013 أثبتت جدوى الحوار، غير أن الحكومة اليوم ليس لها رؤية أو برنامج واضح بعد مرور أكثر من سنة من الحكم.

مشروع جديد لجمع العائلة الديمقراطية وسيضم أحزاب وشخصيات وطنية مستقلة ما الجديد في هذا الشأن؟ وهل هي ميلاد جديد لحزب التكتل؟

لقد انهزمنا في الانتخابات الأخيرة وكانت أصوات اليسار والوسط  مشتتة وكانت تمثيليتها ضعيفة وقد مررنا ب3 أشهر من التقييم وانطلقنا في عملية جديدة و مشروع جديد في المشهد السياسي الذي يتميز بالاختلال باعتبار هيمنة اليمين على المشهد الذي يحمل مشروع ليبرالي على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، و صوت المعارضة مهما علا لن يكون له تأثير في المشهد الحالي، وأضحى من الضروري تعديل المشهد وجمع القوى الوسطية الاجتماعية الديمقراطية  و هي متجذرة في التاريخ وتضم شرائح واسعة في المجتمع،تراهن على ال 4 ملايين من التونسيين الذين لم يشاركوا في الانتخابات وهو ما يطرح على القوى الاجتماعية الديمقراطية ضرورة ربط خيط التواصل معهم،نحن نسعى إلى تقديم مشروع واقعي وليس هلامي يكون في تناغم تام مع أهداف الثورة وهي بالاساس الحرية والكرامة بما تشمله الكلمة من شغل وظروف الحياة الكريمة…وسيقع الإعلان في الأسابيع القادمة بين شهري أفريل و ماي عن التنظيم الجديد الذي سيجمع العائلة و ستكون ضمن العناصر الفاعلة شخصيات وطنية اعتبارية مستقلة  تؤمن بالمشروع وخدمة المصلحة العامة من البوابة السياسية، وسيقوم التنظيم على أساس عملية قاعدية في الجهات ولا شك أن الامتحان الأول سيكون الانتخابات المحلية.

هل سيكون هذا المشروع الولادة الجديدة لحزب التكتل وهل تم تحديد المناصب فيه؟

إذا دخلنا في هذا المشروع الجديد فلن يكون هناك لا تكتل ولا تيار ديمقراطي ولا التحالف الديمقراطي  ولا شخصيات منفردة…سيكون هناك مشروع حزب اجتماعي ديمقراطي على الطريقة التونسية وسيكون إضافة للمشهد السياسي و تجديدا على مستوى القيادات وأسلوب العمل و نطمح أن يخلق المولود الجديد  ديناميكية  قوية  قادرة على تعبئة المحبطين و المترددين من أجل المشاركة في الشأن العام و التأثير في المشهد السياسي.

الفكرة الأساسية لهذا المشروع هي أنه لن يكون حول شخص وهو ما يميزه عن كل المشاريع المطروحة حاليا وستكون فلسفته القيادة الجماعية و التسيير التشاركي..

وهل لكم جدّ مشترك بينكم على غرار بعض الأحزاب التي تتجاذب الموروث الثعالبي والبورقيبي؟

جدنا الاشتراكية الديمقراطية منذ أحمد الحامي وفرحات حشاد وأحمد المستيري وأحمد بن صالح…الذين دافعوا على المشروع الاشتراكي والديمقراطي فكل محطة لها شخصيتها.

بالنسبة لبورقيبة أعتبر أنه ترك بصماته في تاريخ تونس و هو ملك لكل التونسيين ، و من الغريب اليوم أن الكل يبحث عن موطئ قدم و تلميع صورته عبر استغلال ممجوج وغير نزيه وغير جدي للزعيم بورقيبة ،فلماذا لم يتحركوا عندما تمت إزاحته  من الحكم و و وضعه في الإقامة الجبرية ؟ لذلك لا يمكن لأحد أن يحتكر بورقيبة والمطلوب اليوم ليس الرجوع إلى الوراء بل القطع مع ماضي الاستبداد و الفساد و مواصلة البناء الديمقراطي مع احترام الدستور ومؤسساته  و لا ننسى أن

لبورقيبة في تاريخه صفحات ناصعة لكن لم يكن له هاجس الديمقراطية !

هل سيكون المشروع الجديد البديل للحكم؟ وهل يمكن التحالف في قادم الأيام مع النهضة أو نداء تونس.

سيشكل بديل كمشروع وبرنامج وإذا أعطى الشعب ثقته سيكون في الحكم سواء بمفرده أو مع غيره،وبالنسبة لتحالفاتنا القادمة، فإن التوافق سيكون حول نموذج تنموي جديد وعلى أساس إصلاحات جوهرية تمس جل القطاعات و في مقدمتها الإدارة و  المنظومة الجبائية…وأشك أن نتقاسم مع النهضة أوالنداء هذه الأفكار وهو مكشوف خلال الفترة  الحالية فلم نر منهم شيئا غير إجراءات ترميمية تواجه العاجل بدون أي إشارة إلى ما تتطلبه البلاد من إصلاحات في العمق.

هل تؤيد ما ذهب البعض إلى قوله بأن النهضة استغلت حزب التكتل والمؤتمر ووضعتهم في الواجهة خدمة لمصلحتها الانتخابية؟

لقد كانت الصورة لدى الرأي العام أن النهضة تسيّر ونحن في تبعية والحال أن هناك مؤشرات تؤكد أن التكتل لم يكن تابعا للنهضة وبان ذلك في العديد من المناسبات من بينها مساندة التكتل لموقف حمادي الجبالي في المطالبة بحكومة غير متحزبة وكنا مستعدين للخروج من الحكم آنذاك،وفي مناسبة ثانية مع حكومة العريض كان التكتل الطالب الأساسي لتحييد وزارت السيادة، هذا فضلا عن مواقف نواب التكتل خلال محطات مناقشة الدستور كنا متشبثين بالعديد من المسائل الجوهرية هذا بالاضافة إلى قرار تعليق أشغال المجلس فلم أستشر حتى قيادتي في التكتل آنذاك، لقد كانت الصورة تنذر بحريق في إضافة إلى تزامن اعتصام الرحيل وما وقع في مصر، عموما كان للتكتل ثقل كبير على مستوى مجريات الأمور و دورا محوريا خلال كل محطات الحوار الوطني فيه ما هو معروف و فيه ما تكتمنا حوله من أجل تحقيق ظروف النجاح.

بصراحة لو عاد بكم التاريخ إلى الوراء هل تجددون تحالفكم مع النهضة؟

التكتل في نهاية الأمر احترق من أجل تونس لإنجاح المسار الانتخابي والثمن الأكبر دفعه التكتل نحن نتحمل المسؤولية من الناحية الاتصالية، ولسنا نادمين  نظرا للنتيجة السياسية التي حققناها من خلال نجاح المسار الانتقالي و ما تحصلت عليه تونس من تتويج عبر جائزة نوبل للسلام.

كيف تقيّم طبيعة التحالفات الحالية بين الرباعي الحاكم وهل نجح في أداء مهامه؟

اليوم هناك مناخ عام من الاحتقان فليس هناك برنامج أو انسجام ولدينا شعور بأن كل وزير يعمل بمفرده،على غرار ما يحصل في وزارة.. d,التنمية و الاستثمار و التعاون الدولي، المشكل اليوم أن ثقة المواطنين اهتزت تجاه هذه السياسية وتهرأت بسرعة مذهلة، أضف إلى ذلك الأزمة التي قوضت أركان الحزب الحاكم و التي و قع التركيز المفرط عليها إعلاميا و كأنها إستراتيجية لإلهاء الناس والمس من مصداقية العمل السياسي حيث وضعت كل الأحزاب في سلة واحدة وهي صورة خاطئة ولا تنطبق على كل الأحزاب.

التحالف الحكومي بكل مكوناته  يتحمل مسؤولية الفشل ولكنها تعود بالأساس لحزب نداء تونس الذي تهرّب و أعطى مسؤولية الحكم لرئيس حكومة من خارج حزبه.

تم مؤخرا تنظيم تظاهرة احتجاجية من قبل النقابات الأمنية وسرعان ما تحولت الى عملية اقتحام، برأيك هل يعتبر ذلك مسّا من هيبة الدولة؟

يجب أن نتأكد في البداية من المعطيات، ومسألة الحق النقابي نؤمن بها ولا نشكك فيها،إلا أن هذا القطاع متميز بمهمة حماية أمن البلاد وهو طرف يحمل السلاح وهي أشياء تفرض عليه في تحركاته أن يستعمل أساليب خصوصية تحول دون المس بالأمن العام وتضعه في تصادم مع السلطة،ربما الصورة التي نعيشها ما كنا لنعيشها لو تعاملنا مع هذه الظاهرة  بصرامة عندما حصلت في السابق، فحينما رفعت “ديقاج” في وجه الرئاسات الثلاث نزلت بردا وسلاما على بعض الأشخاص،ولو كنا صارمين وقتها لما حصلت حادثة اليوم، نحن نحصد ما زرعنا من انقسام وقعت تغذيته لثلاث سنوات وخلق عداوة حيث كان المجال للمنافسة.

الحالة الصحية لرئيس الحكومة أثارت العديد من التساؤلات وأصبحنا نتحدث عن من يخلف الحبيب الصيد، هل قادر الصيد اليوم بهذا الحزام السياسي أن يتقدم؟

أتمنى للسيد الخبيب الصيد أن يسترجع وافر الصحة و العافية و لكن أؤكد أن المسألة لا تتعلق بأشخاص بل بمشروع وبرنامج متناغم مع انتظارات البلاد وهو ما ليس موجودا، وثانيا ما يزيد تعكير الأجواء أنه حتى النجاحات على المستوى السياسي تخللتها إخلالات تتعلق بعدم احترام الدستور. لقد رجعنا إلى العصا الغليظة وقمع الحريات وعلى مستوى النظام الرئاسي هناك حنين للنظام القديم على مستوى الحزب الناجح في الانتخابات ومؤسسات الدولة والدليل على ذلك  ممارسات رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان من حيث الخلط بين المسؤولية الحزبية ومسؤولية الدولة،وعموما البلاد ليست في الطريق الصحيح.

بصفتك كنت مشرفا على الدستور ما تعليقك على عملية التراخي في تأسيس المؤسسات التي نصّ عليها الدستور؟

على مستوى الآجال ليست هناك خارطة طريق لمجلس النواب وهناك تأخير في إرساء المجلس الأعلى للقضاء بقرابة السنة ،والمحكمة الدستورية التي كان من المقرر إرساءها في 2015 وذلك يعتبر مسّا من المبادئ الدستورية،و لا ننسى المصادقة المتسرعة  ل”قانون مقاومة الإرهاب وتبييض الأموال” الذي كان محل انتقاد لكونه يمس من الحريات هذا بالإضافة إلى إقحام قانون في قانون، وأقصد هنا ما حصل – رغم ما حصل ضده من رفض و احتجاجات- من محاولة إقحام مشروع “المصالحة الوطنية” ضمن قانون المالية.

كيف ترى تعاطي النواب مع العمل البرلماني …مبادرات تشريعية هزيلة وخرق للدستور في إرساء الهيئات الدستورية؟

المجلس التأسيسي ظلم بشكل صارخ وما زاد الخطاب السياسي هو الخروج من المنافسة إلى العداء، ومسألة الغيابات في المرحلة التأسيسية أصبحت مثيرة وبرزت في المدة الأخيرة وكلما اقتربنا من الانتخابات واليوم هناك غياب للقيادة والإرادة السياسية، أنا لا أسمح لنفسي بالمقارنة لكن يمكن العودة إلى انجازات 2012 وبين ما تم انجازه في  2015، نسبيا الأمور كانت أفضل وعلى الإعلام المقارنة

قرار محمد الناصر رئيس البرلمان بالخصم من الرواتب، هل تعتقد أنه إجراء ردعي صائب؟

النائب محترم وهو مكلف بمهمة من طرف الشعب و ليس موظفا عاديا. ،صحيح أن ظروف العمل صعبة لكن ذلك لا يمنع النواب من أداء مهامهم ،فلم يكونوا مجبرين على الترشح للانتخابات، لذلك فإنه بعد الحوار ومحاولة الإقناع لا بد من الردع، مع ضرورة التثبت من الغيابات و التأكد أنها غير مبررة.