تـــــــقديم 

يعتبر قانون المالية الإطار الذي يضبط نفقات وموارد الدولة خلال السنة الإدارية وتنعكس توجهاته على ميزانية الدولة. ويكون اعداد قانون المالية في ظروف الأزمة الاقتصادية والاجتماعية شاقا خاصة في ضل شح الموارد وارتفاع الطلبات. يتجه المجهود في هذه الحالة الى الترفيع في الموارد والضغط على المصاريف.

لما يكون هذا المجهود مدروسا على مدى متوسط يحدد نقاط الضعف والإصلاحات الهيكلية الضرورية للدخول في نسق نمو إيجابي ومرتفع يرفّع من الموارد بصفة مستدامة ويسعى إلى ضمان توزيع عادل للأعباء، تتنزل قوانين المالية المتالية في تناغم لتفعيل الاصلاحات وتوسيع قاعدة دافعي الضرائب وترشيد النفقات مع المحافظة على المرفق العام. لكن في غياب ذلك يتحول قانون المالية إلى مجرد الية للترفيع في الموارد بزيادة الضغط على دافعي الضرائب التقليديين من أفراد ومؤسسات وبتقليص النفقات دون الاكتراث بالخدمات العمومية، فيكون في فلسفته أداة للمحافظة على التوازنات المالية للسنة ولا يجد حلول لأسباب الازمة التي تواصل تفاقمها.

الأسئلة المطروحة

– هل يتنزل قانون المالية لسنة 2018 في أطار استراتجية اصلاح تمكن من تعافي الاقتصاد؟

– هل يمكّن قانون المالية لسنة 2018 من بلوغ الأهداف المرسومة (دفع الاستثمار والتشجيع على الادخار ودعم القدرة التنافسية للمؤسسات، توسيع قاعدة تطبيق الأداء، مقاومة التهرب الجبائي ومكافحة التهريب،حماية المنتوج الوطني وترشيد التوريد للحد من عجز الميزان التجاري، الحفاظ على توازنات المالية العمومية، اجراءات ذات طابع اجتماعي)؟

– هل أن القانون المطروح يترجم أحسن الخيارات في الوضع الراهن؟

أردنا من خلال هذه الندوة ابراز أنه بالإمكان التفكير بصفة مغايرة ووضع قانون مالية في إطار استراتجية الخروج من الأزمة يحافظ على التوازنات ويفعل الاصلاحات ويمكن من تعافي الاقتصاد. ولبلوغ ذلك تتطرق المداخلات للموضوع من زوايا مختلفة تمكن من ابراز انجع الحلول.

 

ملخص الــــمداخلات 

 

افتتح السيد عبد الرحمان اللاحقة الخبير الاقتصادي وممثل الاتحاد العام التونسي للشغل مداخلته حول مشروع قانون المالية ومدى استجابته للتطلعات خاصة منها منها المتعلقة بإعادة التوازنات للمالية العمومية ودفع الاستثمار والحد من التهريب ومقاومة التهرب الجبائي.

مشككا في جدوى بعض الإجراءات الواردة ضمن قانون المالية خاصة منها الترفيع في نسبة الأداء على القيمة المضافة ومعاليم الاستهلاك والمعاليم الديوانية وانعكاسها على المقدرة الشرائية للمواطن بالإضافة إلى أنها لن توفر مداخيل إضافية كافية لتمويل ميزانية الدولة.

كما أكد السيد عبد الرحمان اللاحقة على أن عدم الاستقرار السياسي وتواتر عدد الوزراء يمثل عائقا أمام انطلاق الحوار مع الحكومة حول الإصلاحات الكبرى ومدى جدية السلطة في التسريع بهذه الإصلاحات.

وأشار إلى أن الاتحاد العام التونسي للشغل قدم  عديد المقترحات حول تعزيز المداخيل الجبائية داعيا إلى تعزيز أليات استخلاص الأداء عوضا عن إثقال كاهل الأجراء والمؤسسات بأداءات إضافية وأن دفع نسق الاستثمار لا يكون بالتشجيعات الجبائية التي أثبتت عدم جدواها.

وأكد ممثل المنظمة الشغيلة أن الحلول تكمن أساسا في :

إصلاح الإدارة خاصة من خلال إرساء منظومة معلوماتية ناجعة والتأكيد على الفوترة الإلكترونية كآليات لمراقبة مسالك التوزيع والمواد الاستراتيجية المدعمة مؤكدا على ضعف الميزانيات المرصودة لإصلاح الإدارة  وتطويرها.

مقاومة الفساد والرشوة خاصة فيما يتعلق بالصفقات العمومية

كما شدد السيد عبد الرحمان اللاحقة على ضرورة إيجاد آليات جديدة لتمويل الاستثمار خاصة مع تراجع دور البنوك في تمويل المؤسسات ودفع الاستثمار مشيرا إلى ضرورة مراجعة القانون البنكي وأن التشريع الحالي يمنح استقلالية كبرى للبنك المركزي تحول دون القيام بدوره الرقابي على البنوك بصورة جيدة.

وأكد على ضرورة إصلاح الصناديق الاجتماعية مؤكدا على انخراط الاتحاد في مسار الإصلاح وقبول مبدا المساهمة التضامنية الاجتماعية على أن تكون في إطار حزمة كاملة من الإجراءات لتنويع مصادر تمويل الصناديق الاجتماعية.

كما دعا إلى إصلاح جذري لمنظومة الدعم واعتماد مبدا الشفافية والحوار في بلورة رؤية إصلاحية شاملة لهذه المنظومة.

وثمن السيد عبد الرحمان اللاحقة بعض الإجراءات في قانون المالية على غرار الترفيع في خطايا التأخير وبداية إصلاح النظام التقديري وصندوق التعويض عن الأضرار الفلاحية الناتجة عن الجوائح الطبيعية وصندوق دعم ديمومة المؤسسات الصغرى والمتوسطة.

من جهته أكد السيد عبد العزيز حلاب عضو اللجنة الإقتصادية والإجتماعية باتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية  ورئيس جامعة الكهرباء أنه لم يقع التنسيق مع اتحاد الأعراف في إعداد قانون المالية الحالي وأن انتظارات الاتحاد من هذا القانون كانت أساسا في إيجاد حلول لارتفاع المديونية وانزلاق قيمة الدينار وتفاقم العجز التجاري.

وانتقد ممثل منظمة الأعراف الوضعية المالية للمؤسسات العمومية وارتفاع كتلة الأجور بالوظيفة العمومية ووضعية الصناديق الاجتماعية وصندوق التعويض وشدد على أن اتظارات الاتحاد كانت تتمحور حول البحث في أسباب تردي الوضع الاقتصادي وإيجاد آليات لمعالجتها.

كما أكد السيد عبد العزيز حلاب أن قانون المالية الحالي وما يتضمنه من زيادة في نسبة الأداء على القيمة المضافة والترفيع في المعاليم الديوانية يمثل ضغطا إضافيا على المؤسسات  التي تعاني في حد ذاتها من صعوبة في إيجاد آليات لتمويل الاستثمار،

وأضاف أن هناك العديد من الإجراءات يجب سحبها من هذا المشروع مثل:

-الترفيع في التسبقة الديوانية من 10%  إلى 15 % والترفيع في نسبة  الأداء على القيمة المضافة.

-الفصل المتعلق بتجميد فائض الأداء على القيمة المضافة لما تكتسيه هذه الإجراءات من انعكاسات سلبية على سيولة االمؤسسات،

-الأداء على الكشف بالأشعة للمواد المستوردة والترفيع في المعاليم الديوانية بالنسبة للمواد الأولية المستوردة ستؤدي بالأساس إلى ارتفاع كلفة الإنتاج وضعف مردرودية المؤسسة.

-المساهمة التضامنية الاجتماعية التي ستتكبدها المؤسسة على حد تعبيره.

-الترفيع في خطايا التأخير.

كما أكد ممثل اتحاد الأعراف على عدم جدوى بعض الإجراءات خاصة أن البعض منها سبق وأن تم التنصيص عليها صلب قوانين مالية سابقة وهي إجراءات تكاد تكون صورية وتطبقها صعب مثل صندوق تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة وقانون الشراكة بين القطاع العام والخاص.

كما أكد السيد عبد العزيز حلاب أن قانون المالية الحالي جاء متناقضا مع الوثيقة التوجيهية للحكومة وأن تقاسم التضحيات يتطلب وجود بوادر إصلاح واضحة المعالم خاصة فيما يتعلق بالمؤسسات العمومية وصندوق الدعم ودفع التصدير والمؤسسات العمومية بمراجعة بعض البنود في الصفقات العمومية وأن الإصلاحات العميقة لا يمكن مزيد تأجيلها وهي تتطلب شجاعة في التنفيذ.

كما أشار إلى أن الفرضيات المقترحة من الحكومة ستؤدي بالأساس إلى قانون مالية تكميلي لسنة

2018.

من جهته عبر الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي عبد الجليل البدوي أنه منذ سنة 2011 تواتر 10 حكومات و9 وزراء مالية و6 قوانين مالية تكميلية وهي تعتبر سابقة وتؤدي إلى فقدان المصداقية بالنسبة لوثيقة الميزانية وتهميش وتشتيت إطارات وزارة المالية والاكتفاء بتصريف الأعمال عوض البحث في جدوى الإجراءات المتخذة سابقا وانعكاسها على المالية العمومية.

وأكد البدوي على أضرورة توفر شروط دنيا لإعداد الميزانية وهي:

– أن تستند إلى إطار مرجعي أي أهداف استراتيجية ، مخطط تنموي…

– اعتماد فرضيات جدية

– الحرص على الحفاظ على حد أدنى من الاستقرار

– الحرص على ضمان توزيع عادل للأعباء وللتضحيات أي القدرة على مقاومة التهريب واللوبيات والفساد عوض الضغط على المطالبين بالضريبة وإثقال كاهل المستهلك والمؤسسة على حد السواء.

– الحرص على عدم الاكتفاء بالإجراءات العادية التقليدية في أوضاع استثنائية والأعلان عن حالة الطوارئ الاقتصادية.

كما شخص السيد عبد الجليل البدوي الوضع الاقتصادي المتردي خاصة مع ضعف القدرة الشرائية للمواطن وتأثير ذلك على الاستهلاك وتراجع نسق الاستثمار وضعف مساهمة قطاع التصدير في خلق الثروة، وأكد أن نسبة النمو التي بني عليها قانون المالية لا يمكن تحقيقها في ظل هذه المؤشرات وهو ما سيؤدي إلى لخبطة في كل الفرضيات غير الواضحة في هذا القانون خاصة فيما يتعلق بسعر صرف الدينار مقابل العملات الأجنبية.

وأكد الخبير الاقتصادي أن الإجراءات المضمنة بقانون المالية ستؤثر على القدرة الشرائية للمستهلك ومن القدرة التنافسية للمؤسسة وأن العبء الجبائي مركز على المستهلك وعلى القطاع المنظم غير مبالي بالقطاع غير المنظم.

كما أكد أن الوضع الحالي يتطلب إجراءات استثنائية وطالب بكشف الحقيقة حول مردودية حملة مقاومة الفساد على ميزانية الدولة وشدد على على ضرورة الضغط على النفقات العمومية خاصة الامتيازات العينية للموظفين العموميين مقابل الترفيع في ميزانيات الوزارات المعنية بأسداء المرفق العام على غرار وزارة الصحة والتربية والنقل .

وأكد السيد عبد الجليل البدوي على ضرورة أخذ الدولة بزمام المبادرة في الاستثمار مع تواصل تخوف القطاع الخاص من مناخ الاستثمار الحالي وأن الظرف استثنائي ويتطلب اتخاذ تدابير استثنائية لإنقاذ الاقتصاد حتى فيما يتعلق بمراجعة اتفاقيات التبادل الحر والاتفاقيات البينية لحماية المنتوج الوطني و الحد من العجز التجاري وعلى ضرورة الحرص على التكامل بين الإجراءات.  

 وفي تدخله أكد السيد إلياس الفخفاخ رئيس المجلس الوطني لحزب التكتل ووزير المالية الأسبق على أن غياب برامج اقتصادية شاملة وسياسات اقتصادية واضحة يحمل قانون المالية أكثر مما يحتمل. وأنه لا يمكن حتى فهم التوجهات الاقتصادية الكبرى للدولة من خلال قانون المالية الذي يجب أن يتنزل في إطار رؤية إصلاحية اقتصادية واجتماعية شاملة.

كما أكد على مشكل الفرضيات التي انبنى عليها هذا المشروع خاصة فيما يتعلق بسعر صرف الدينار وسعر المحروقات والتي تؤدي كل سنة تقريبا إلى قانون مالية تكميلي ونبه إلى تعدد الإجراءات الجبائية دون تقييم مردوديتها كما شدد على ضرورة مواصلة وتفعيل الإصلاح الجبائي الذي انطلق منذ سنة 2013 والذي يتضمن أساسا مراجعة الترسانة التشريعية الجبائية وإصلاح إدارة الجبائية حتى تكون أكثر نجاعة وفاعلية.

كما نبه إلى خطر انزلاق الدينار الذي يهدد بانهيار الاقتصاد الوطني منتقدا غياب تفسير من البنك المركزي حول أسباب هذا الانزلاق وإرساء سياسة نقدية ناجعة تحد من تراجع قيمة العملة الوطنية وتأثير ذلك على التضخم الذي ما فتئت تتزايد نسبته من سنة إلى أخرى.

كما كشف السيد إلياس فخفاخ على تراجع المداخيل الجبائية منذ سنة 2014 خاصة في مادة الضريبة على الشركات بحوالي 1600 مليار، وأن الارتفاع النسبي ناتج أساسا من المساهمة الظرفية لفائدة ميزانية الدولة مشددا على أنه في غياب أرباح لدى المؤسسات لا يوجد استثمار وفي المقابل لا يمكن توفير مواطن شغل إضافية.

وقدم وزير المالية الأسبق صورة حول مساهمة كل الفاعلين الاقتصاديين في ميزانية الدولة حيث أن 50% من الموارد الجبائية متأتية أساسا من الخصم من المورد بعنوان الأجور وأن حوالي 55% من الأجراء في القطاعين العام والخاص من الطبقة المتوسطة أي حوالي 1,2 مليون أجير يمولون 25% من الميزانية سواء من خلال الأداءات المباشرة أي الضريبة على الدخل أو الأداءات غير المباشرة مثل الأداءعلى القيمة المضافة والمعلوم على الاستهلاك، وهنا أكد على مدى مساهمة هذه الطبقة في دفع نسق الاقتصاد الوطنيمن خلال خاصة محرك الاستهلاك.

من جهة أخرى بين أن حوالي 85% من النسيج الاقتصادي هي شركات صغرى ومتوسطة ولا توفر سوى 5% من الضريبة على الشركات حيث أن نصفها تصرح بخسارة جبائية أو أنها لم تحقق أرباحا وهنا أكد أولا على حجم التهرب الجبائي بالنسبة لهذه الفئة من المؤسسات بالإضافة إلى أن المنوال الاقتصادي التنموي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار تركيبة النسيج الاقتصادي الوطني سواء من خلال آليات التمويل أو من خلال إجراءات التشجيع على الاستثمار.

كما أكد السيد إلياس فخفاخ على الانعكاس السلبي للإجراءات المقترحة صلب قانون المالية في التأثير على المقدر الشرائية لهذه الطبقة خاصة منها المتعلقة بـ:

الترفيع في نسبة الأداء على القيمة المضافة والمعاليم الديوانية والمعلوم على الاستهلاك، تجميد الأجور، ارتفاع سعر المحروقات، المساهمة التضامنية الاجتماعية، تراجع قيمة الدينار بالإضافة إلى تخليي الدولة عن دورها  في تمويل الخدمات الأساسية مثل الصحة والتربية والتعليم والنقل.

وأن هذه الإجراءات ستؤدي بالأساس إلى شلل في مستوى محرك لاستهلاك لدى هذه الطبقة.

كما دعا إلى إيجاد موارد بديلة وأرساء سياسة جبائية عادلة تتمثل أساسا في:

إدماج الاقتصاد الموازي ومقاومة التهرب الجبائي

إصلاح صندوق الدعم وتوجيه الدعم إلى مستحقيه

ترشيد إسناد التشجيعات على الاستثمار.

وأكد أن اتخاذ إجراءات فيهذا الاتجته ممكن أن توفر للخزينة أكثر من 4000 مليار أي أكثر من 30% من مقدار التداين المبرمج لهذه السنة.

تقرير حرره
صابر الغزواني
تنسيقية اريانة – عضو المجلس الوطني