عزوف لافت جدّا للناخبين عن صناديق الاقتراع، تصاعد لافت جدّا لترشّح الشباب من الجنسين على قائمات مستقلّة و نجاح متميّز لهذه القائمات على حساب كلّ الأحزاب و خاصة الأحزاب الحاكمة، رغم التفاوت الكبير في الإمكانيات المالية و الدعائية، تواصل لافت لتشتّت أحزاب المعارضة الديمقراطية و عجزها عن معالجة خلافاتها المزمنة فيما بينها و تجاوز نرجسيّة بعض قياداتها و غرورها، و عجزها بالتالي عن تغيير خطابها و تنظيم صفوفها و تقديم بديل اقتصادي واجتماعي جامع لها و مقنع للناخبين…أقول هذا و إن بدا صعود حزب التيار الديمقراطي نسبيّا و بالمقارنة مع غيره من الأحزاب نقطة مضيئة و واعدة في هذا المشهد السياسي القاتم.

كلّ هذا جاء ليؤكّد بمنتهى الوضوح هذه المرّة خيبة التونسيات و التونسيين في الأحزاب السياسية بصفة مؤلمة. ولست أستثني من هذا طبعا حزب التكتّل الذي كنت أحد مؤسّسيه سنة 1994 و الذي مازلت أنتمي إليه إلى حدّ الآن و الذي ينبغي أن نعترف بأخطائه التي خيّبت آمال التونسيات و التونسيين فيه، وهي آمال كانت كبيرة قبل الثورة و أثناء سنة 2011 خاصة.

إنّ ثورة الحرية و الكرامة كانت و لا تزال ثورة حقيقية أصيلة و واضحة الأهداف، وهي لم ترفع يوما – فيما بين 17 ديسمبر 2010 و 14 جانفي 2011 – شعارات دينيّة، و إنّما كانت أهدافها و لا تزال و ستبقى سياسية – اجتماعية – اقتصادية ترمي إلى بناء مجتمع حرّ ديمقراطي و عادل، على أساس قيمتين جوهريّتين مترابطتين هما الحرية و الكرامة..و لا تكون حرية فعلية دون كرامة، الكرامة في كلّ تجلّياتها و أهمّها ظروف العيش الكريم، و لا يكون ذلك دون شغل كريم…

على كلّ الأحزاب السياسية القائمة في المشهد اليوم و التي ستكون قائمة غدا ألاّ تغيب عن أذهانها هذه الأهداف الأصيلة لثورة الشباب في تونس، و على قادتها أن يتعلّموا التواضع أمام هذه الأهداف و أن يبرهنوا على أنّ الوطنية الحقيقية اليوم تتمثّل في العمل بإخلاص و دون كلل من أجل تحقيق تدريجيّ لكن متصاعد النسق لهذه الأهداف، لصالح الشباب و الطبقات الضعيفة و المتوسطة عموما، و لصالح الأجيال القادمة.

علينا جميعا أن ندرك دقّة المرحلة التي نمرّ بها في حاضر تونس و مستقبلها القريب..و علينا جميعا أن نعي أنّ قامة تونس تبقى على الدوام أهمّ و أرفع بكثير من قامة أيّ سياسي مهما كان شانه…

النائب المؤسّس المولدي الرياحي