من 13 سبتمبر إلى 16 سبتمبر، نظم الاتحاد الدولي للشباب الاشتراكي، بالشراكة مع الشباب الاشتراكي الديمقراطي، مؤتمر القيادة القارية الإفريقية الخاصة بلجنة القارة الإفريقية وذلك بنزل ليدو حلق الوادي في الضاحية الشمالية لتونس تحت شعار تعزيز الوحدة والتضامن في إفريقيا، وذلك بحضور قيادات شابة من العديد من الدول الإفريقية بالإضافة إلى ضيوف شرف من القيادة الدولية للإتحاد الدولي للشباب الاشتراكي.
أشرف على افتتاح المؤتمر ثلة من قيادات حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، الرفاق خليل الزاوية وكمال القرقوري وإلياس الفخفاخ، وتداول على الكلمة المشاركون لتقديـم منظماتهم الحزبية.
انطلقت المحاضرات مع الرفيقتين أصال جوهري ونور كريم من رابطة الشباب الاشتراكي الديمقراطي السويدي حول التضامن الدولي، حيث وضعتا الموضوع في إطاره متحدثتين عن نشاط منظمتيهما على الصعيد الدولي والأوروبي أيضا حيث أن منظمتهما عضو في شبكة “ياس” للشباب الاشتراكي الأوروبي واتحاد الشباب الاشتراكي لدول الشمال والبلطيق. ثم قامت الرفيقة نور كريمي بعرض بصري وتحليلي لنتائج الانتخابات التشريعية السويدية التي دارت مطلع هذا الشهر حيث أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي السويدي يتصدر الترتيب بنسبة 28% مسجلا تراجعا مستمرا مقابل تقدم منافسيه التحالف من أجل السويد المحافظ وحزب الديمقراطيين السويديين من أقصى اليمين وهو ما يجعل الرفاق السويديين عاجزين عن منح الثقة لحكومة يشارك فيها تحالف اليسار والخضر (التحالف الأحمر والأخضر) ويجعل البرلمان السويدي (الريكسداغ) معلقا مع إمكانية إعادة الانتخابات في ظل ظروف لا تخدم إلا مصلحة حزب الديمقراطيين السويديين العنصري على حد تعبيرها.
ثم استأنفت أعمال اليوم الأول في الفترة المسائية بمحاضرة لحمزة الغدامسي مؤسس جمعية أنموذج الإتحاد الإفريقي وهي منظمة فكرية تأسست سنة 2013 وتهدف إلى تنمية نشاطات الإتحاد الإفريقي والقارة الإفريقية وتعمل على تجميع الشباب الإفريقي وتبادل الأفكار والتطلعات وإعطاء حلول ناجعة من أجل مكافحة المشاكل الراهنة بالإضافة إلى نشاطها السنوي المتمثل في محاكاة البرلمان الإفريقي و المجلس التنفيذي و مجلس السلام والأمن و برنامج الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الإفريقي.
تخلل ذلك نقاش مع المشاركين حول مصطلحات الوحدة الإفريقية ومؤسسة الإتحاد الإفريقي حيث اعتبر الرفيق جوان كاساندا من شباب حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والرقي الاجتماعي أن هذه المؤسسة هي نقابة للديكتاتوريين الأفارقة حيث فقدت مصداقيتها لدى الشعوب وهي لا تضع مصالح المواطن الإفريقي على رأس أولوياتها بل مصالح الحكام، وهو ما ذهب إليه الرفيق شروبين غاوكاني من شباب حركة تحرير شعب إفريقيا الوسطى. في حين يعتبر المحاضر حمزة الغدامسي أن الهدف من جمعية الأنموذج غير إيديولوجي وغير سياسي بقدر ما هو الوقوف في صف الشباب الإفريقي إذ يعطي المؤتمر الفرصة لمعرفة آليات عمل المؤتمرات الدبلوماسية و بناء إفريقيا شاملة ومستقلة ومزدهرة حيث كان شعار “إفريقيا نبنيها جميعا” عنوان الملتقى السنوي الفارط.
أما في ما يتعلق بمسألة الهوية الافريقية فقد كان نقد الرفاق المشاركون لتسمية “البانافركيانسم” التي تعرض إليها المحاضر شديدا حيث أعرب الرفيق بشير عبيدي من الشباب الاشتراكي الديمقراطي التونسي أن التسمية تحمل داخل طياتها أبعادا شمولية وقصوى مثل تسميات “البانجرمانيسم” و”البانسلافيزم” المرتبطة تاريخيا بالنازية واليمين المتطرف، واقترح الرفيق أماد تياندريبيوغو من شباب حركة الشعب من أجل التقدم البوركينية أن يتم تكون الوحدة الإفريقية بعيدا عن النزعات الهوياتية وأن يكون هنالك مصطلح واقعي وهادف عوض البانافريكانيسم، وهو ما ذهب إليه الرفيق جوان كاساندا من جمهورية الكنغو الديمقراطية حيث أن الوحدة تكون من أجل المصالح والأهداف المشتركة، لا من أجل الهويات.
ولم ينسى الرفاق المشاركون الحديث عن إشكال العملة في غرب إفريقيا (فـرنك غرب إفريقيا) وقد اعتبروها وصاية فرنسية طال أمدها مذكرين بحادثة جامعة واغادوغو في بوركينا فاسو إثر زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في ما أكد المحاضر حمزة غدامسي أنه من ضمن توصيات القمة الافريقية الأخيرة هي المرور من الفرنك (CFA) الى عملات وطنية.
واختتمت أعمال اليوم الأول بمحاضرة لجوزاف كاسنغو رئيس جمعية إفريقيا للذكاء، مقرها مدينة صفاقس، حول الهجرة والاندماج الاجتماعي والاقتصادي، في علاقة للهجرة بالتنمية الاقتصادية، ثم حوكمة الهجرة النظامية في تونس من ناحية الإطار القانوني للهجرة واللجوء، الرهانات الجيواستراتيجية للهجرة بأنواعها، المصاعب التي يتعرض إليها طالب اللجوء أو الهجرة وقـد قدم المحاضر توصيات من أجل إدماج فعال للمهاجر في الدورة الاقتصادية، وقد اختلف الرفاق حول التعاطي مع الهجرة من دول الجنوب الى دول الشمال، لئن يعتبر الرفيق جوان كاساندا أن اليسار الاجتماعي يجب أن يكون مكافحا في بلده الأم من أجل انتزاع الحرية والتنمية والرقي الاجتماعي مثل ما قام به فترة الحروب العالمية مواطنو الدول التي يهاجر إليها مواطنوها حاليا، علاوة على رهانات الهجرة من حيث الاندماج الاجتماعي والاقتصادي، ملفتا الانتباه أن هجرة الادمغة إفراغ للقارة الافريقية من كفاء اتها، فإن الرفيقة أصال جوهري من رابطة الشباب الاشتراكي السويدي أكدت على ضرورة مقاومة الميز العنصري داخل المجتمعات الحاضنة للمهاجرين مؤكدة أن اليساري الحق يرى أن الحدود الاقليمية والدولية هي حواجز مصطنعة وأنها مع حرية تنقل الأفراد. واختتم الرفيق مازن العوجي من الشباب الاشتراكي الديمقراطي التونسي بتعليق حول حرية تنقل الأفراد داخل القارة الافريقية في سبيل خلق مواطن شغل متأتيـة من ريادة الأعمال مستدركا أن المستثمرون التونسيون يواجهون تعقيدات كبيرة عند تأسيسهم شركات في دول إفريقيا الغربية.
وكانت أشغال اليوم الثاني حول حرية تنقل الأشخاص داخل القارة الافريقية من تقديم بلاماسي توري المدير التنفيذي لجمعية الريادة والتنمية في إفريقيا حيث افتتح مداخلته بقوله أن الهجرة ظاهرة قديمة جدا في إفريقيا، معتبرا أن عليسة الفينيقيـة هي أول لاجئة سياسية في تاريخ القارة، وقـد أعطى نماذج عديدة عن حضارات افريقيـة قامـت على الهجـرة والاختلاط العرقي مثل حضارة الكوش وأهراماتها، البونت شرق افريقيا وتمبكتو غربها في القرون الوسطى وما تركته من معمار وفن أصيل، وقد كان ذلك نتيجـة اختلاط عديد الأعراق التي انتجت ممالك وامبراطوريات دامت لقرون. وتابع المحاضر سرد الأحداث طبقا للسلم الزمني مع ظهور الحركات الاستعمارية واقتسام قارة إفريقيا في مؤتمر برلين وهجرة الأوروبيـين الى إفريقيا، ثم مرحلة الاستقلال. مضيفا أن الهجرة داخل القارة الافريقية هي واقع معيـش، لكنه في مصلحة شعوب إفريقيا واقتصاداتها، فإفريقيـا لديها خامس أكبر ناتج داخلي خام في العالم، لديها 90% من مخزون البلاتينيوم في العالم، 50% من مخزون الذهب و33% من مخزون اليورانيوم، وهي بذلك تمتلك أغنى قارة في العالم من حيث مواردها الطبيعية لكنها تعاني من صعوبات اجتماعية واقتصادية، مع نسب عالية للأميـة والأوبئة والفقر. مما يطرح السؤال مرة أخرى حول العمل القاري المشترك، الاستثمار الداخلي في القارة، الاندماج الاقتصادي والتقارب الديبلوماسي.
واختتم المؤتمر بمحاضرة للرفيقة عربيـة قوصري، الكاتبة العامة المساعدة لحزب التكتل وعضوة مؤسسة للشباب الاشتراكي الديمقراطي حول مساهمة المرأة التونسية في الحركات الاجتماعية، بين النجاحات والرهانات. حيث تطرقت الى جميع المكاسب التي تحصلت عليها المرأة التونسية منذ الاستقلال بدء ا بمجلة الأحوال الشخصية انتهاء الى قانون مناهضة جميع أشكال العنف ضد المرأة في جويلية 2017، ثم تطرقت الى الرهانات التي تواجهها المرأة التونسية مثل الاستغلال الاقتصادي، العنف، التمييـز والتهميش داخل أطر الأحزاب السياسية وفي التمثيلية الحكومية والبرلمانيـة رغم قوانين التناصف والتميـيز الإيجابي، تساءلت الرفيقة آنا بيرتسكافالافا عن مدى التحام الحركة النسوية التونسية مع الحركات الاحتجاجية الاجتماعية وأجابتها الرفيقة عربية قوصري أن المجتمع المدني النسوي المستقل كان معارضا زمن الديكتاتورية مثل جمعية النساء الديمقراطيات وجمعية البحث حول المرأة والتنمية، معطية أمثلة عن تواجد الحركة النسوية صلب تحركات اجتماعية زمن الثورة وبعد اعلان النسخة الأولى من الدستور التي اقترحتها حركة النهضة الاسلامية وخاصة حركة مانيش مسامح ضد قانون المصالحة الاقتصادية المثير للجدل. وقد عبر الرفاق جوان كاساندا وإيليان بوتوبوتو عن وضع المرأة الصعب في جمهورية الكنغو الديمقراطية حيث تتعرض للتحرش والاغتصاب الجماعي عندما تكون ناشطة ضد ديكتاتورية جوزيف كابيلا، وقد قدما مثالا عن مناضلين من أجل صيانة الحرمة الجسدية للمرأة مثل الدكتور دينيس موكويغي الذي أحرز جائزة ساخاروف للفكر الحر نتيجة لتطوعه لعلاج النساء ضحايا الانتهاكات الجسدية. في حين عبر الرفيق أكسيـر موافانغايو من رابطة شباب سوابو الناميبية عن ارتياحه لوضع المرأة في ناميبيا وهي ديمقراطية ناشئة تضمن حقوق المرأة، لا سيما وأن رفيقتهـم سارا اماديلا تتنمي الى حزبهم.
وبعد نهاية أشغال المؤتمر وصياغة توصيات اللجنة الافريقية للاتحاد الدولي للشباب الاشتراكي، تم استدعاء المشاركين إلى زيارة لمتحف باردو وقد لقيت استحسان جميع المشاركين.
اثمن هذا المؤتمر جدا لما له من تاثير على التطور الفردي للمجتمعات و ضم الشعوب لبعضها من افطار ز وعي