بقلم كمال القرقوري، أمين عام حزب التكتل
منذ قدوم حكومة “الوحدة الوطنية” كل ما نعيشه لا يتعدى ان يكون الا إعلانات لمعالجة قضايا هامة من شأنها معالجة أمراض تنخر الوطن! للأسف لا تتعدى الإعلان وحركات استعراضية قد تكون جيدة في اعمال درامية. لكنها تعود بالوبال على الدولة وعلى القضية في حد ذاتها! وتكون النتيجة اضمحلال الثقة داخليا وتقليص مصداقية الدولة خارجيا.
بدأنا بتونس 2020 وما رافقها من حملة إعلامية لكن كانت تظاهرة فقاقيع اختفت الواحدة تلوى الاخرى، فقانون المصالحة وما سيدرّه من آلاف ملايين الدنانير التي باتت سرابا وتمتع الفاسدون في الادارة بالعفو والشرفاء بالاحباط. هذا ما وقع خلال فترة التناغم بين الرئيسين وابن الرئيس.
لكن سرعان ما اختلف الرئيسان وبات كل منهما منافس الثاني واتجهت الأنظار ل2019 ومن سيعتلي اعلى درجات السلطة. احس رئيس الحكومة ومن حوله بالخطر الآني. هذا الشاب الذي لا يتردد في استعمال البروباقندا والاعلانات دون محتوى ودون مستقبل يجعل منه الحصان الرابح لمنظومات نافذة همها الحفاظ على مواقعها.
فصيغة الخطط لجعل من رئيس الحكومة رقم تصعب إزاحته. فكانت مسرحية الحرب على الفساد والإيقافات الاستعراضية دون ملفات صلبة او منظومة قضائية او عدلية فاعلة. فأطلق سراح اغلب الموقفين واستردوا أموالهم وباتو يطالبون بالتعويض .وللأسف تطور الملف ينبئ بقرب إطلاق سراح البقية. في نفس الوقت تصنف تونس ضمن قائمة الدول المبيضة للاموال والراعية للارهاب. منطقيا لو كانت هناك حرب حقيقية ومؤسساتية على الفساد لما اطلق سراح من اوقفوا ولما صنفت تونس في تلك القائمة السوداء.
ثم أتت ازاحة الوزير الذي بات يهدد الرئيس ودفع للاستقالة بسبب تتبعه في قضية حكم عليه فيها بعدم سماع الدعوة. ولم يساند الرئيس وزيره بل أكد ضمنيا انه مذنب. وكان نفس الصنيع مع وزير الداخلية وقضية الجوسسة. وان لا أدافع على اي وزير من حكومات دافعت على قانون المصالحة فان ما اقدم عليه رئيس الحكومة بإلقاء وزرائه للنهش في قضايا بنسبة عالية من الخطورة دون تكليف نفسه بالتأكيد او النفي يمس من مصداقية الدولة التونسية وصمعتها وهذا لا يمكن لأي مواطن تونسي وطني قبوله. كما ان ذلك ينسف ثقة المواطن في مؤسسات الدولة مما يقلص من فرص الإصلاح ونمو الوطن.
لكن ما حصل منذ يومين في قضية حقل النفط “حلق المنزل” باستعمال نفس الطرق الرديئة والإمعان فالانحدار الأخلاقي اخطر من كل ما سبق! فقد استهدف رئيس الحكومة وفريقه بكم هائل من المغالطات شركة ذات راس مال وطني خاص وعام (بنكين وطنيين) اضافة الى شريك منضوي تحت البنك الدولي. شركة استثمرت في مشروع أقر جل الخبراء بالدرجة العالية للمخاطر المحدقة به. مشروع لم يدخل طور الاستغلال ولم تجني منه الشركة شيء. مشروع أدرجته حكومة الوحدة الوطنية ضمن مشاريع تونس 2020. وشبهة الفساد تقتصر على اختلاف في قراءة قانونية. كل ذلك يعني ان ذلك مغالطة كبرى لن تعالج الفساد في قطاع المحروقات بل ستثني من ينوي الاستثمار في تونس عن ذلك، ستعرقل استعادة مشاريع الاستكشاف والتنقيب نسقها، ستدفع مابقي من الشركات التي تواصل العمل في القطاع النفطي في تونس للرحيل. ستثني كل موظف نزيه عن تحمل اية مسؤولية في الدولة. لكن الاخطر من ذلك ستعطي عن تونس صورة البلد العشوائي الذي يسير دون ضوابط ودون قانون في توضيف تام للمؤسسات. وقع ذلك سيكون وخيم على كل المستويات دوليا ومحليا!
ويبدو ان الهدف من المسرحية الاخيرة هو اعادة البريق لصورة رئيس الحكومة كبطل ضد الفساد والتخلص من وزير الطاقة الذي بات يمثل خصما في الكواليس.
كنت مقتنعا ان تغيير رئيس الحكومة اليوم ليس له معنى سنة قبل الانتخابات وان الفشل كامن في الاغلبية الحاكمة بنوابها ورؤسائها وحكوماتها. لكن بات رئيس الحكومة ومن لف حوله يمثل خطرا على الدولة فالمصلحة الوطنية ليست ورقات رابحة في لعبة سياسية قذرة!