من 19 الى 21 افريل، انتظم بنزل رمادا بلازا قمرت ملتقى دولي للمنظمات الشبابية الديمقراطية الاجتماعية من بلدان افريقية وأوروبية وعربية منها تونس والمغرب وليبيا والبحرين وساحل العاج والكونغو الديمقراطية وفرنسا والمانيا، من تنظيم مؤسسة فريدريش ايبيرت بالشراكة مع الشباب الديمقراطي الاشتراكي وقد تمحورت مضامين الملتقى حول اليسار الاجتماعي: الواقع والرهانات والافاق.

افتتحت اعمال اليوم الأول تحت اشراف الرفيق خليل الزاوية رئيس حزب التكتل وكمال القرقوري الامين العام للحزب وشاركت في أعماله الناطقة الرسمية باسم الحزب الرفيقة دنيا بن عصمان وممثلة حزب التيار الديمقراطي الصديقة السيدة سعيد كضيفة شرف. في مستهلّ الندوة، أعطى المشاركون نبذة عن انتماء اتهم السياسية وتصوراتهم ثم انتظاراتهم من هذا الملتقى، إذ عبر سيمون جوسران من الشباب الاشتراكي الفرنسي عن تمسك منظمته بقيم اليسار الاجتماعي وتحمسه للعمل المشترك مع بقية شباب الندوة لمزيد التعرف واستيعاب وتحليل الواقع السياسي في دول الجوار، في المقابل توجه زهير حبيبي ممثل شباب تحالف القوى الوطنية الليبية بالتحية للمشاركين في الندوة وقياديي حزب التكتل مبلغا لهم رسالة من رئيس حزبه الاستاذ محمود جبريل، وقد نوّه بقيم الاسلام السمحة قائلا بأن لا تعارض بين الاسلام والاشتراكية على حد تعبيره، في حين دعت زينب احسان ممثلة الشبيبة الديمقراطية التقدمية وهي الجناح الشبابي للحزب الاشتراكي الموحد المغربي الى العمل المشترك وأن تستأثر القضايا الاقتصادية والحوكمة الرشيدة ومقاومة الفقر بالنصيب الاكبر من اشغال الملتقى وتوجهت المشاركة اميناتا كاراموكو برسالة الى ممثلي الشباب الديمقراطي والاشتراكي وإلى رئيس حزب التكتل برسالة شكر وعرفان متحدثة بإطناب عن أمهات القضايا السياسية والاقتصادية التي تواجهها القارة الافريقية آملة أن ترى افريقيا اكثر ديمقراطية وازدهارا.

إستهل عضو الشباب الديمقراطي الاشتراكي بشير عبيدي الفترة الصباحية بعرض بصري للمنظمة الراعية للحدث انطلاقا من تأسيسها تحت مسمّى الشباب الديمقراطي الاشتراكي عارضا أهم مبادئها ومحطاتها النضالية وارتباطاتها على المستوى العربي والعالمي. ثم التأمت جلسة حوارية تحت اشراف الرفيقة هند مغيث رئيسة الشباب الديمقراطي الاشتراكي حول القوى التقدمية وأفق تطورها وتخللتها مداخلة للرفيق كمال القرقوري الامين العام للحزب حول الواقع الصعب الذي تعيشه الاحزاب الديمقراطية الاشتراكية من جهة واقتصادات دول عديدة في طور النماء. لئن ذهب متدخلون مثل غسان نصيف من البحرين والسيدة سعيد من حزب التيار الديمقراطي واميناتا كاراموكو الى اعتبار ان ازمات الدول المعنية هي ازمات إدارة فاسدة وغير رشيدة وأنماط قديمة من الحوكمة فإن رفاق آخرين مثل يان أولريخ من مجموعة العمل الخاصة بشباب الحزب الاشتراكي في ألمانيا (يوزوس) ومحمد عبد الله من البحرين وبشير عبيدي اعتبروا ان المسؤولية جماعية والاسباب داخلية ولكن أيضا خارجية، فهي ناتجة عن إرهاصات اتت بها الثورات العربية وفساد الأنظمة الشمولية والحيف الاجتماعي كما ان عوامل خارجية مثل تغول المؤسسات المانحة الدولية وتنامي الإرهاب الدولي والاستقطاب الحاد بين القوى الاقليمية زادت من تعكرها. وخلص المشاركون الى ان ازمة الديمقراطية الاجتماعية في العالم ناتجة عن الوضع العالمي المتأزم الذى لا يسمح الا بتنامي التيارات الشعبوية الديماغوجية على حساب القوى العقلانية كقوى اليسار. ففي وقت الأزمات، يقوم اقصى اليمين بمغالطة الشعوب وإفقادها الوعي السياسي، لكن سرعان ما تعود البصيرة إلى الشعوب بعد ثبوت زيف المزاعم الشعبوية ويعود المجتمع من جديد في صف القوى التقدمية الاجتماعية.
أما الحصة المسائية، فقد تناولت بإسهاب الحركات الاجتماعية في العالم وإسهامات اليسار الاجتماعي فيها؛ تحت عنوان “الحركات الاجتماعية في تونس والعالم”، وضع الرفيق بشير عبيدي الحركات الاحتجاجية في تونس في إطارها الاقليمي والعالمي، قائلا أن المطالب الاجتماعية كالشغل والحرية والكرامة الوطنية كانت المطالب الكبرى للثورة التونسية، مواصلا أن كل مطلب اجتماعي مرتبط اساسا بالبيئة التي احتضنته (المطالب التنموية في الجهات الداخلية، الحريات الفردية في الجهات المحظوظة تنمويا)، بالاضافة الى دور الفاعلين الاجتماعيين في تحقيق المطالب مقدما الاتحاد العام التونسي للشغل كمثال. وفي تقديمه لنماذج من الحكات الاجتماعية حول العالم، علق الرفيق يان أولريخ على حراك “لـنقف ضد العنصرية” في عدة مدن ألمانية ضد خطاب الكراهية والعنصرية الذي تروج له جماعات من أقصى اليمين وقد كان للشباب الاشتراكي الالماني شرف قيادة هذا الحراك، ومن جهته، تحدث الرفيق لوي سيمون من شباب الحزب الاشتراكي الفرنسي عن حركة “ليلة وقوف” ضد قانون العمل الجديد المعروف إعلاميا بقانون مريم الخمري وهي شكل احتجاجي جديد لانمطي بدأ منذ اواخر سنة 2015في المقابل، قامت زينب احسان بتعداد جميع الحركات الاحتجاجية المعاصرة في المغرب مثل حركة 20 فبراير وهي التي اجبرت الملك المغربي على تنقيح الدستور سنة 2011 بالإضافة الى الحركة الاجتماعية في الحسيمة منذ 2017 والتي اعتقل على اثرها المناضل ناصر الزفزافي ووقع تعذيـبه ولم يطلق سراحه الى حد الآن علاوة على الحركة الاحتجاجية بجرادة في مطلع 2018، موافقة أن الحركات الاجتماعية في تونس والمغرب تتقاربان في المطالب.

ومر عديد الرفاق من تونس على 10 سنوات من الحركات الاجتماعية التي أدت احداها الى ثورة شعبية: انطلاقا من انتفاضة الحوض المنجمي 2008 الى اعتصامات القصبة في 2011 بالاضافة الى حركات احتجاجية جديدة مثل حملات “حتى انا حرقت مركز”، “خنقتونا”، “حاسبهم”، “مانيش مسامح”، “فاش نستناو”، “تعلم عوم”. وتلى ذلك عرض وثائقي من تقديم الرفيقين مازن العوجي و أسامة مخلوف وهما ناشطان في أغلب الحملات المذكورة وخاصة “مانيش مسامح”، حيث قدما الحركات الاحتجاجية الجديدة في تونس على انها أشكال نضالية مستحدثة وشبابية يغلب عليها الجانب الابداعي والاستعراضي لا سيما وقد عرضا مقاطع فيديو توثق مسيرات مناهضة لقانون المصالحة الاقتصادية وأهازيج مسيرة 13 ماي 2017 التي رفع فيها 10 آلاف مشارك شعارات كاريكاتورية ساخرة من رموز الفساد في تونس وعروض كوريغرافية تحاكي اجواء الملاعب الرياضية إضافة الى استعمال الآلات الإيقاعية والشماريخ لتحفيز الشباب.

 وذكّر الرفيق محمد جنحاني الأمين العام للشباب الديمقراطي الاشتراكي أن هذه الحركات تتميز بأفقية العلاقات داخلها وعدم وجود هرمية تنظيمية، معتمدة على روح الإخاء والتمويل الذاتي للحملات ورفض اي تمويل خارجي. كان اليوم الثاني مخصصا للقضايا الاقتصادية والسياسية على وجه الخصوص حيث التأمت ورشتا عمل حول الواقع الاقتصادي ثم الاجتماعية في البلدان المعنية وتصورات نابعة من الفكر الديمقراطي الاشتراكي لتحسين الأوضاع، وقد كانت هنالك مداخلة للسيد إلياس الفخفاخ وزير المالية السابق ورئيس المجلس الوطني لحزب التكتل حول الاندماج الاقتصادي شمال جنوب.

كان النقاش ثريا حول مسألة اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق مع الاتحاد الأوروبي الآليكا حيث تحدث لوي سيمون عن مسائل تقنية تتعلق بالغاء الضوابط الجمركية وغير الجمركية منتهيا إلى أنها تحمل في نفس الوقت ايجابيات وسلبيات وهي في نهاية الأمر شأن سيادي داخلي، وهذا ما تناوله السيد إلياس الفخفاخ في إجابته حيث اقترح استفتاء شعبيا حول الآليكا خاصة أن الظروف الحالية تختلف على تلك التي عايشت اتفاقية 1995 حيث كانت تونس خاضعة لسيطرة الحزب الواحد في حين أن الأوضاع تغيرت حاليا حيث أن الشركاء الأوروبيون أصبحوا يتفاوضون مع بلد سلطاته تنبع مباشرة من الشعب. وفي رده على السيدة سعيد حول اتفاقية 1995، لاحظ السيد إلياس الفخفاخ غياب المتابعة والتقييم للاتفاقيات التي ابرمتها تونس مع الإتحاد الأوروبي مستنتجا انه من الضروري القيام بدراسة انعكاسات الاتفاقية قبل المصادقة عليها. تناول ايضا مسائل تقنية في إجابته لشباب الحزب مازن العوجي وبشير عبيدي ومحمد جنحاني وأسامة مخلوف حول خوصصة المؤسسات العمومية في تونس، مفسّرا الفرق بين القطاعات الاستراتيجية التي لا يجب التفويت فيها لطابعها السيادي والقطاعات غير الاستراتيجية التي لا تتميز بالمردودية والتنافسية والتي يمكن ان يتحسن آداؤها مع دخول شركاء من القطاع الخاص. و تلخصت مداخلة زينب إحسان حول الإصلاح الجبائي ومقاومة التهريب والتجارة الموازية وسياسات الدولة الحمائية للعملة الصعبة …

إما في ما يتعلق بالفترة المسائية، فقد شارك فيها الدكتور مصطفى بن جعفر الرئيس الشرفي للاشتراكية الدولية والرئيس المؤسس لحزب التكتل بمداخلة حول تجربته مع اليسار الاجتماعي في تونس والعالم معترفا بالانتكاسة التي شهدها اليسار الاجتماعي حيث لا وجود لأحزاب ديمقراطية اجتماعية في الحكم إلا في البرتغال ودول اسكندنافية مقابل تصاعد نفود اليمين الشعبوي. و قد أجاب الرفيق مصطفى بن جعفر عن تساؤل مشاركين عدة مثل بشير عبيدي وغسان نصيف وكارمن (متربصة ضمن مؤسسة فريدريش إيبيرت) أن الديمقراطية الاشتراكية هي قوة وفاقية وعقلانية ومعتدلة تجمع بين الواقعية السياسية ومباديء اليسار مقدما أمثلة لذلك على غرار أنطونيو غوتيريز وهو قيادي يساري برتغالي كانت له تجربة حكم دامت 7 سنوات وترأس الإشتراكية الدولية ثم أصبح أمينا عاما للأمم المتحدة منذ 2017.

واختتم اليوم بتقديم مشروع مبادرة جمعياتية “الجيل الديمقراطي الاشتراكي” للرفيق بشيرعبيدي، عضو أكاديمية شباب المستقبل لمؤسسة فريدريش إيبيرت وعضو الشباب الديمقراطي الاشتراكي وهي تهدف الى إنشاء أرضية مشتركة لمؤسسة فكرية تعنى بنشر الفكر اليساري. وفي تعليق على هذه المبادرة، لاحظ الدكتور مصطفى بن جعفر وجوب تحديد الفئة المستهدفة والمنتفعين بكلّ دقّة وخاصة تعداد جميع المراحل والأنشطة والغايات التي يرتكز عليها المشروع بالإضافة الى مزيد التطرّق الى الوسائل الكفيلة بالوصول الى الغايات. وقدّم لوي سيمون مقترحات تزيد من فاعلية المشروع مثل حلقات الحوار والتشبيك والشراكة مع المجتمع المدني، وكان لغسان نصيف ملاحظة منهجية حول أصناف اليسار التي يستهدفها المشروع وخاصة الوضوح في المفاهيم والمنهجية وهو ما ذهبت إليه الرفيقة كارمن من المانيا. وكان اليوم الأخير خاصا بقضية المرأة والرؤية الديمقراطية الاشتراكية لقضايا النوع الاجتماعي بمشاركة شيماء بن حميدة من جمعية نساء تونسيات للبحث حول التنمية وقد أتت على الجانب المجتمعي والاقتصادي لقضية المساواة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمرأة في ظل ظاهرة الوصم الاجتماعي للمرأة في دول معينة. فيما أجمع المشاركون على ريادة المرأة التونسية في محيطها الإقليمي حيث حازت على مكاسب عدة منذ الاستقلال الى الثورة. واختتمت الدورة في ظروف ممتازة لاقت استحسان الجميع وقام المشاركون بزيارة المدينة العتيقة لتونس أين تناولوا وجبة الغداء وشارك بعضهم في الوقفة الاحتجاجية “تعلم عوم” في شارع الحبيب بورقيبة.