تقييم الوضع العام

لا تزال الأزمة السياسية تلقي بضلالها على الوضع العام بتونس وتعمق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية وتثقل وقعهما بتعكير المناخ. هذه الأزمة غير عادية نظرا لبروزها داخل الأغلبية الحاكمة وليست بينها والمعارضة أو بين رأسي السلطة المنتميين لأحزاب مختلفة. لم تبرز هذه الأزمة حول خيارات كبرى اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية بل برزت لتموقعات داخل الاحزاب الحاكمة وتحالفات داخلها تخضع لمبدأ موازين القوى وليست تقارب الخيارات. أزمة خلقها رئيس الدولة والصراعات داخل نداء تونس منذ الحكومة الأولى بعد 2014. أزمة استفحلت بتغيير حركة النهضة تحالفاته ودعمها داخل منظومة الحكم حسب تغيير موازين القوى لتساند هذا رئيس الجمهورية وابنه ثم تساند خصمهم أي رئيس الحكومة. أزمة تسببت فيها أيضا شقوق نداء تونس التي لم تخلق حول اختلاف رؤى بل لزعامات وأضعفت الحزب الحاكم. هذه الأزمة داخل منظومة الحكم جعلت البلاد والشعب رهينة فتدهورت الوضعية الاجتماعية واهترأت القدرة الشرائية وتفقير الطبقات الوسطى والضعيفة واستفحل الفساد. السلطة التنفيذية عاجزة ودون برنامج أو إرادة للإصلاح والسلطة التشريعية غائبة كغياب النواب داخل المجلس فلا نجد دعم للحكومة من نواب الأغلبية.
منذ انتخابات 2014 تفاقم التضخم ليصل إلى 7،5 % في أوت 2018 أي بزيادة نقطتين مقارنة بأوت 2017 و5 نقاط بالنسبة لأوت 2016 مما أثر بصفة كبرى على القدرة الشرائية للمواطن, إضافة إلى ذلك تدهور سعر الصرف ب 40 % وازدادت المديونية من 50% إلى أكثر من 70%. كما صنفت أهم العراقيل للاستثمار في تونس من طرف المنتدى الاقتصادي العالمي وهي البيروقراطية وعدم الاستقرار السياسي والفساد. كل هذه العراقيل هي نتاج سياسات مغلوطة وغياب إرادة الاصلاح والارتهان للاللوبيات نافذة رغم الاعلانات الجوفاء والحرب الوهمية على الفساد.
هذه الوضعية فاقمت المشاكل عوض معالجتها فتعقدت أزمة الصناديق الاجتماعية وبرزت أزمة الصيدلية المركزية وفقد الدواء. تضررت القطاعات المنتجة وخاصة منها التي تخضع مباشرة للخيارات الحكومية كمنظومة انتاج الحليب حيث تفقر المربي والتجأ للتخلي عن أبقاره مما أدى إلى تراجع تزويد السوق والالتجاء للتوريد وهذا يعتبر سوء تصرف. إضافة الى ذلك ولعلها من أخطر المؤشرات هي تدني خدمة المرفق العام خاصة في مجالي الصحة والتعليم ودفع المواطن للقطاع الخاص.
تحاول هذه الأغلبية إيجاد الأعذار في نظام الحكم أو الفانون الانتخابي وهما بريئين. فلم تستكمل هذه الأغلبية تركيز مؤسسات نظام الحكم وخاصة الهيئات الدستورية والمحكمة الدستورية ولم تسعى لتمكين السلطتين التشريعية والقضائية من الامكانيات التي تمكنهما من لعب دورهما. فكيف يمكن تقييم نظام حكم لم يستكمل بإرادة من يدعي فشله. أما عذر القانون الانتخابي فهو واهي نظرا لتحصل الأحزاب الحاكمة على أغلية ساحقة في البداية (أكثر من 170 نائبا من مجموع 217) لكن التموقعات السياسية والانتهازية جعلتها مهتزة وغائبة ولا تخدم الصالح العام. كما أمعنت هذه الأغلبية في تخريب ما أنجز وخاصة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي أصبحت
دون رئيس ولم يعوض ثلاث أعضاء رغم انقضاء أكثر من 6 أشهر عن انقضاء الأجل. فكيف للهيئة في وضعيتها الحالية انجاح الانتخابات؟

خارطة الطريق لإنجاح الانتخابات القادمة

كل هذا وغيره، إذ نكتفي بما سبق لأن السرد قد يكون طويل، لا ينفي توفر كل مقومات الخروج من الأزمة والنمو الشامل بتونس. لكن لا يمكن لمنظومة الحكم الحالية التفطن لذلك والعمل لما فيه خير التونسيين والتونسيات. هذه الأغلبية عليها العمل على إيقاف النزيف في المجال الاقتصادي والمالي وإنجاح الانتخابات القادمة في 2019. ولبلوغ هذه الأهداف يجب:
– تركيز المحكمة الدستورية بعيدا عن التجاذبات الحزبية وبأغلبية ثلثي أعضاء مجلس نواب الشعب لضمان اعلى درجات الكفاءة والحياد لمن سيعينهم المجلس.
– التسريع بانتخاب رئيس وتعويض أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
– تركيز الهيئات الدستورية ودعمهم بكل الامكانيات للعب دورهم مثل هيئة الاعلام السمعي البصري وهيئة مقاومة الفساد.
– إيقاف النزيف على المستوى المالي والاقتصادي خاصة في انزلاق الدينار والتضخم بالتحكم في الميزان التجاري.
– المحافظة على المرفق العام وعلى منظومات الانتاج الموجودة بتغيير سلم الأولويات.
– التحرر من اللوبيات والعمل للصالح العام.
– تنفيذ برنامج تعصير الادارة,
– دعم السلطة القضائية والقطب المالي للعب دورهما في مقاومة الفساد وتكريس عدم الافلات من العقاب (رغم تكريسه بقانون المصالحة الطي لم يكن ليمر لو وجدت المحكمة الدستورية).
– الابتعاد عن الاعلانات الفجواء لحلول غائبة واستعمال بعض المؤشرات بصفة انتقائية للتضليل وتلميع الصورة ومصارحة الشعب بالواقع وبالإخفاقات.