نعيش اليوم تحت وقع المفاوضات حول التعيينات والحركات في جل المجالات ولاة ومعتمدين وسفراء وقناصلة و رؤساء مديرين عامين الشركات العمومية ونيابات خصوصية وحتى قضاة وتجد اليوم الحكومة والاحزاب الحاكمة
وحتى الادارة في مفترق الطرق. فإما القطع مع منظومة الولاءات والمحسوبية والتعيينات الحزبية التي عهدناها زمن بن علي وحتى زمن الترويكا والتي تصدى لها المجتمع المدني وقاومتها الاحزاب الديمقراطية من داخل الإئتلاف ومن خارجه ونجحت في وضع حد لها، أو مواصلة نفس المنهج الذي عهدناه وتعود عليه التونسيين بل قد أصبح جزء من شخصيتهم وممارستهم كما جاء عن لسان الدكتور توفيق وناس في بحثه حول الموضوع* ومفاده ان اعتماد الوساطة والمحسوبية أصبح اسلوبا في الحياة داخل المجتمع التونسي

ان الحوكمة الرشيدة والقطع مع الماضي وحتى مبادى منوال التنمية الجديد والنقلة الحقيقية في علاقة الحاكم بالمحكوم والمواطن بالسلطة تنطلق في رأينا من قظية التعيينات والولاءات

لقد عانت ولا زالت تعاني الاغلبية الساحقة من المواطنين من المحسوبية والولاءات التي خلفت ثقافة الامتياز مقابل الولاء وسلوك التقرب من السلطة في إطار البحث عن النفع السريع، وإقصت جزء كبير من المواطنين من المشاركة في تنمية جهاتهم ووطنهم و العديد من الكفاءات بابراز مواردها الذاتية واستثمارها في الادارة وفي كل مواقع الانتاج ولم تمتع ابناء الشعب الواحد من تكافؤ في الفرص

ان الوالي او المعتمد او المدير العام لبنك او شركة عمومية الذي يتم تعينه على اساس الانتماء و الولاء وليس الكفاءة والنزاهة يبقى مدين للحزب الذي عينه ورهين تنفيذ أوامره وتطبيق تعليماته واعتماد نفس مبادءه قي الحوكمة وتقديم الامتيازات من شغل او بطاقات علاج او رخص او قروض او

ويلقى المواطن نفسه من جديد امام خيار التقرب من السلطة والولاء للحزب الحاكم بغاية التحصل على بعض الفوائد الشخصية او الحياد السلبي والعودة تدريجيا الى وضع الرعية ولا المواطن او الاختلاف وما يترتب عنه من إقصاء ومعاناة وتضحيات وكلها خيارات سئمها الشعب وثار عليها

ان ثقافة الولاءات والمحسوبية والزبونية مرتبطة ضمنيا بضاهرة الرشوة والفساد وانتشارها ولا يمكن باي حال من الاحوال لحاكم يعتمد الولاء والمحسوبية ركيزة من ركائز حوكمته وخاصة في مجال التعيينات ان يقاوم الفساد والرشوة حتى وان لم يكن في أحسن الاحوال شريك فيها كما كان الحال قبل الثورة فإنه يجد نفسه في حرج في التعامل مع المفسدين الموالين بل مجبور للتستر عليهم والتدخل لصالحهم للإفلات من العقاب ولعل قانون المصالحة الاقتصادية هو أكبر عنوان لهذا التوجه

لقد انتفض الشعب التونسي وخاصة الشباب الذي كان في الصفوف الامامية للثورة ضد الإقصاء والتهميش والغبن وحلم بان يتغير وضعه ووضع جهته بتغيير الممارسات في الحوكمة وفتح المجال للمشاركة وتكافؤ الفرص ومحاسبة من أجرم في حق الشعب ونهب خيراته غير انه لم يحس بالتغيير المنشود وخاب امله وفقد الثقة في التغيير ولا نستغرب من السلوك العام السائد اليوم في الهرولة الى الربح السريع والمطلبية المجحفة ولا نستغرب ايضا من إقدام الشباب المتزايد على الهجرة السرية والإلتحاق بعصابات الارهاب والتهريب

وبالرغم من المؤشرات الغير مطمئنة في توجه الاحزاب الحاكمة للقطع مع اساليب الماضي في هذا المجال فان من واجبنا ان ننبهها ونحملها مسؤولية عواقب مواصلة نفس المنهاج من مزيد تأزم للاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والامنية والذي سيؤدي حتما وفي وقت أقصر مما نتوقع الى انتفاضة جديدة لا يمكن ان نتنبأ بحدتها

اما في ما يخص المواقع السياسية فيجب ان تكون على اساس الانتخابات ولا التعينات وهو ما يجعلنا نطالب الحكومة بالتسريع بالقيام بالانتخابات البلدية والمجالس الجهوية حسب ما جاء به الدستور الجديد وسن القانون الاساسي للامركزية والفصل بين صلوحيات الوالي والمعتمد الاداريين المعينين والمجالس الجهوية والبلدية السياسين المنتخبين

* المنصف وناس، الشخصية التونسية – محاولة في فهم الشخصية العربية، الدار المتوسطية للنشر، 2011

بقلم إلياس فخفاخ، عضو المكتب السياسي بحزب التكتل
تاريخ النشر 18 أوت 2015