أولا : التربية

التربية وما يتصل بها من تكوين و تعليم و بحث علمي محورأساسي من محاور اهتمام التكتل الديمقراطي من أجل العمل و الحرّيات و اختيار استراتيجي في تفكيره  ومسعاه إلى تحقيق التنمية الشاملة وإلى ضمان مناعة الوطن واستقلاليته وحداثته وحرية أفراده وإسهامه في الحضارة الإنسانية المعاصرة تأسيسا على ما قدمه من  إسهامات حضارية متميزة عبر مختلف الحقب التاريخية .


وقد حققت منظومة التربية والتكوين ومنظومة التعليم العالي والبحث العلمي، منذ الاستقلال،  مكاسب مهمة كمية وتوعيّة، بفضل الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة والمجتمع. ومن أبرز تلك المكاسب ارتفاع نسبة التمدرس ارتفاعا كبيرا وانخفاض نسبة الأمية وزيادة أعداد طلبة الجامعات وتوفر الكفاءات في مختلف القطاعات بما ساعد على تحقيق درجات محترمة على صعيد التنمية الاقتصادية والاجتماعية. إلاّ أنّ هذه المكاسب ينبغي ألاّ تحجب عنّا مشاكل لا تزال هاتان المنظومتان تعانيانها، ومنها أنّ التوسّع الكمي في التربية والتعليم قد تحقق، في الكثير من الأحيان، على حساب جودة التكوين مما اقتضى إصلاحات عديدة متعاقبة لم توفق أحيانا إلى تدارك المشاكل والأخطاء المرصودة.
ومن مظاهر فشل منظومة التعليم العالي في كسب رهان الجودة تواصل ارتفاع نسبة الرسوب ونسبة الانقطاع وبطالة حاملي شهادات التعليم العالي بالخصوص، إضافة إلى الضعف الذي أصبح فادحا في تحصيل اللغات وإلى تواصل ظواهر سلبيّة في المجتمع كان يفترض أن يقضي عليها تعليم وتربية جيدان، ومن هذه الظواهر التسيب الذي نلاحظه في بعض أوساط الشباب والتلاميذ ، وتواصل الشعوذة والتفكير الخرافي اللاعقلاني لدى أوساط اجتماعية عديدة، وانتشار عقلية الانتهازية والأنانيّة وعدم تحمل المسؤولية والغش والعنف وما إليها…
•    مرتكزات التربية والتعليم:
ينبغي أن تقوم منظومة التربية والتعليم، في منظور حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، على الثوابت أو المرتكزات التالية:
1-     مبادئ العقيدة الإسلامية وقيمها السمحة الهادفة إلى تكوين المواطن المتصف بالاستقامة والصلاح، المتسم بالاعتدال والتسامح والقدرة التفتح على الآخر والعيش معه، المتعلق بالعلم والمعرفة، المتوثب للإصلاح والإنتاج والإبداع، المطبوع بروح المبادرة الإيجابية والعمل النافع.
2-    القيم والمبادئ الوطنية الأصيلة وفي مقدّمتها حبّ الوطن، والتمسك بالنظام الجمهوري، والمشاركة الإيجابية في الشأن العام، والتعلّق بالثقافة الوطنيّة واللغة العربية مع التفتح على  اللغات الأجنبية، وتبني الخيار الديمقراطي في ظلّ دولة القانون والمؤسسات.
3-     القيم والمبادئ الإنسانية التي تضمنتها المواثيق الدوليّة، وهي قيم ومبادئ لا تتناقض مع القيم والمبادئ الإسلامية والوطنية وإنما تكملها وتدعمها.
4-    متطلبات العصر ومقتضياته والسعي إلى تحقيق نهضة البلاد بامتلاك ناصية العلوم والتكنولوجيا والإسهام في تطويرها.
•    أهداف التربية والتعليم :
ينبغي أن يكون المتعلم محور المنظومة التربوية والتعليمية، وذلك بتوفير كلّ الظروف التي من شأنها أن تساعده على صقل ملكاته وتحقيق تفتحه وجعله قادرا على التعلم مدى الحياة وتنشئته التنشئة السليمة التي بها يكون نافعا لنفسه ولأسرته ووطنه وللإنسانية قاطبة. وتحقيقا لهذه الغاية الكبرى ينبغي أن تهدف التربية والتعليم إلى:
1-     تربية المتعلم على القيم والمثل الوطنية والإنسانية، وتنشئته على احترامها الاحترام الكامل، وفي مقدمتها الوطنيّة والمواطنة والعدالة والمساواة والتضامن واحترام الآخر وتحمل المسؤولية والتسامح واحترام القانون وحب العمل والتعلق بالعلم والمعرفة .
2-     غرس الاعتزاز بالهوية الوطنية والقومية بكلّ عناصرها ومكوناتها وفي مقدمتها اللغة العربية والدين الإسلامي والثقافة العربية الإسلامية، مع تأمين تفتحه على الإنسانية وثقافات الأمم والشعوب الأخرى.
3-     تمكين المتعلم من أدوات المعرفة، وتزويده بالمهارات والخبرات التي تمكنه من تحويل المعرفة إلى تطبيقات تساعده على تطوير حياته فردا ومجتمعا.
4-     توفير الخبرات والمهارات القادرة على تحقيق التنمية الشاملة، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.
•    شروط نجاح منظومتي التربية والتعليم :
حتى تتمكن منظومتا التربية والتعليم في بلادنا من تحقيق هذه الأهداف، ينبغي أن تكونا متصفتين بما يلي:
1 – الديمقراطية :
تعني ديمقراطية التربية والتعليم تحقق تكافؤ الفرص، والمجانية، والإلزامية، والمشاركة.
يعني تكافؤ الفرص العدالة والإنصاف بين الجنسين، وبين الريفيين والحضر، والأغنياء والفقراء، والأسوياء وذوي الاحتياجات الخاصة…
وإذا ما فحصنا واقع منظومتي التربية والتعليم في بلادنا لاحظنا أن مبدأ تكافؤ الفرص تأثر سلبا بمختلف التطورات الاقتصادية والاجتماعية وبالاختيارات التي تبنتها الدولة منذ بداية تطبيق الليبرالية الاقتصادية في سبعينات القرن الماضي ثمّ تفاقمت في العقدين الأخيرين مع الإصلاح الهيكلي والخوصصة وتشجيع التعليم الخاص … الخ. من ذلك أنّ نسب الرسوب والانقطاع وضعف التحصيل لدى أبناء الفقراء والريفيين لا تزال كبيرة، وذلك بسبب ما أصبح يتطلبه الالتحاق بالمدارس من نفقات باهظة لا تقدر عليها الأسر المنتمية إلى هذه الفئات. وكثيرا ما يكون بعد المدرسة عن مقر إقامة التلميذ وصعوبات المواصلات وغياب الوجبات الغذائية المدرسية سببا في الرسوب أو الانقطاع أو الفشل المدرسي.
إنّ عدم تكافؤ الفرص بين المتعلمين يخل بمبدإ إلزامية التعليم وبمبدإ مجانيته ، وهو مبدأ كان مقدسا لدى التونسيين في العقدين الأولين من الاستقلال لكن الدولة أخذت تسعى، شيئا فشيئا، إلى تحميل التلاميذ والطلبة وأولياء أمورهم رسوما دراسية ما انفكت مبالغها تتزايد. وقد زاد في ضرب المجانية التي هي أحد أسس ديمقراطية التعليم تفاقم ظاهرة الدروس الخصوصية التي لا يقدر عليها أبناء الفئات الفقيرة .
وفي هذا الصدد يرى التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريّات أنه ينبغي منع الدروس الخصوصية لعيوبها الكثيرة وتعويضها بدروس دعم داخل المدرسة لكلّ المحتاجين  إليها وبمقابل رمزي أو مجانا على أن تدفع الدولة أجور المربين ، كما يرى التكتل أنه من واجب الدولة توفير الأدوات والمستلزمات الدراسية للمحتاجين مثل النقل ووجبة الغداء وكذلك الغذاء والسكن عند الضرورة، وذلك حتى يكون للمجانية ولتكافؤ الفرص في التعليم معنى حقيقي.
ومن شروط مجانية التربية والتعليم أيضا إحداث رياض الأطفال والأقسام التحضيرية في كلّ المناطق الريفيّة والحضرية وفتحها مجانا في وجه جميع الأطفال في سنّ ما قبل المدرسة، حتى يتاح لأطفال الريف وأطفال العائلات محدودة الدخل ما يتاح لابن الحواضر والعائلات الميسورة . ذلك أنّه إذا ما كانت رياض الأطفال والأقسام التحضيرية ضرورية لتنشئة الأطفال في هذه السن الحساسة التنشئة التربوية السليمة، فإنّ فائدتها يجب أن تشمل جميع الأطفال التونسيين دون استثناء.
أمّا إلزامية التعليم في بلادنا –وهي ركن من أركان ديمقراطية التربية والتعليم- فإنّه يصعب اعتبارها اختيارا أو إجراء مطبقا التطبيق التام أو السليم في الوقت الحالي، وذلك بسبب غياب الرقابة اللّازمة للتأكّد من تمدرس كلّ الأطفال الذين بلغوا سنّ الدراسة وانعدام أي إجراء ردعي في هذا المجال.
2- الجودة :
الشرط الثاني من شروط نجاح المنظومتين التربوية والتعليمية وتحقيقهما لأهدافهما هو تحسين جودتهما الداخلية والخارجية . وتهم الجودة كلّ مراحل التعليم من تعليم أولي أو تحضيري وتعليم أساسي ( ابتدائي وإعدادي) وتعليم ثانوي وتكوين مهني وتعليم عال. كما تهم الجودة كلّ عناصر المنظومة أو مكوناتها من مدرس ومنهج وطرق وأساليب تعليمية وكتب ونظام تقييم وحتى بنايات وتجهيزات رياضية وتثقيفية وغيرها…
والمقصود بجودة التربية والتعليم تمكنهما من تحقيق الأهداف المرسومة بما يستجيب لحاجات المتعلمين وأسرهم من المعرفة والتكوين ولحاجات المجتمع والدولة من الخبرات والكفاءات المقتدرة، والحدّ من الرسوب والانقطاع والفشل المدرسي أو القضاء عليها القضاء شبه التام .
ويحتم الحرص على جودة التربية والتعليم وضع نظام للجودة تتقيد به كلّ الأطراف الفاعلة في المجالين التربوي والتعليمي، وتقييم مدى تحقيقها للنتائج المستهدفة. على أنّ وضع نظام للجودة في مختلف مراحل التعليم يقتضي إشراك كلّ المعنيين وتجنّب البيروقراطيّة وانتهاج الشفافية وتوفير مستلزمات التطبيق وتجنب الوصفات الجاهزة أو المسقطة والامتناع عن التوظيف السياسي لهذا التمشي واعتبار مصلحة المتعلم والبلاد فوق كلّ اعتبار.
ومن الضروري أن تشمل العناية بالجودة في التعليم العالي كلّ التخصصات دون استثناء، وذلك بدل التركيز على التخصصات التكنولوجية أو الهندسية أو الطبيّة واستبعاد تخصصات العلوم الإنسانية والاجتماعية التي لم نر، إلى حدّ الآن، العناية اللازمة بها ضمن برامج وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا.
ومن شروط تحقيق جودة التربية والتعليم في المراحل التحضيرية والأساسية ( الابتدائية والإعدادية) والثانوية أمران آخران: أولهما تقريب المدرسة من المستفيدين منها، أي من التلاميذ، بما يساعد على اقتصاد الوقت والنفقات ويحفز على الدراسة ويساعد على النجاح . وهذه المسالة ينبغي أن تجد الحلول الناجعة لتلاميذ الريف والمناطق المنعزلة بالخصوص بما يحقق العدالة والإنصاف اللذين هما جوهر الديمقراطية. أمّا الأمر الثاني فهو إعادة النظر في الزمن المدرسي عامة والعطل المدرسية خاصة، بما يجنب هدر الوقت والجهد، ويتيح للتلاميذ ما يكفي من الوقت لممارسة الرياضة والأنشطة الثقافية، ويحدّ من كثرة العطل وتشتتها وما يترتب عليها من تسيب وتراخ ونقص في التركيز وضعف في الاستيعاب. ويرتبط بهذا الأمر الثاني أيضا ضرورة مراجعة نظام التقييم ( الامتحانات ) وخاصة في المرحلتين الإعدادية والثانوية حتى لا يكون طول فترات الامتحان مخلا بالدراسة والتكوين ومدعاة للاضطراب والتسيب .
أمّا بالنسبة إلى التعليم العالي فإنه لئن كان إنشاء الكليات والمعاهد في مختلف أنحاء البلاد قد ساعد على تقريبه من المستفيدين ( الطلبة ) فإن ما يخشى  منه هو أن لا تتوفر لبعض هذه الكليات والمعاهد مقومات الجودة وخاصة العدد الكافي من المدرسين المقتدرين مما قد يضطرها إلى الاعتماد كثيرا على مدرسين يفدون إليها من مراكز أخرى أو على مدرسين مبتدئين مازالوا، بدورهم، يتابعون دراستهم العليا. وإنّ هذا الواقع ليحتم التركيز، داخل البلاد، على الجامعات المتكاملة تخصصًا وموقعا للاستفادة القصوى من الكفاءات الموجودة.
أمّا بالنسبة إلى العطل الجامعية فإنه لم يعد مقبولا أن يكون نظام التقييم، في جلّه، سداسيا ( نصف سنوي) في حين أنّ العطل ثلاثية (فصلية) ممّا يربك سير الدروس ويؤدي إلى هدر الوقت والجهد وبالتالي يخل بالتكوين. وفي هذا الصدد من الضروري أن يعاد النظر في توزيع العطل لمزيد تنظيمها، وليس شرطا أن نواصل تقليد النظام الذي يكاد يكون موروثا برمته من الفترة الاستعماريّة.
على أنّ من أهم ما قد يحدّ من جودة التعليم العالي في عدد من الاختصاصات، بما فيها اختصاصات من العلوم الإنسانية، النقص الواضح في المدرسين المؤهلين وذلك بسبب كثرة الطلبة من جهة وغياب خطة ناجعة كفيلة بتوفير العدد الكافي من أولئك المدرسين من جهة أخرى . ويقتضي ذلك التعجيل باتخاذ الحلول اللازمة لتكوين المدرسين في الداخل والخارج بما يسدّ الحاجة إليهم في كلّ التخصّصات وكلّ الجامعات.

– التوازن:
من شروط نجاح منظومتي التربية والتعليم في تحقيق أهدافهما المرتبطة بالفرد والمجتمع والدولة أن تتصفا بالتوازن الذي تتجسد في الاهتمام معا بالجوانب البدنية والعقليّة والنفسيّة للمتعلم، وفي توفيقها بين التعليم والتربية حتى لا يهمش الجانب التربوي لفائدة تخريج متعلمين قد يحملون شهادات علمية لكنهم غير متجذرين في هويتهم وبيئتهم أو غير متفتحين على محيطهم القريب أو البعيد.
إن كثيرا من الأدواء التي يعانيها المجتمع مردّها فشل المؤسسة التربوية في تكوين المواطن المتوازن في شخصيته، المستقيم في سلوكه، المتسّم بالاعتدال والتسامح، الرافض للماضوية والتقليد من جهة وللتفسّخ والانبتات من جهة أخرى.
لذا من الضروري إعادة الاعتبار للتربية طبقا لما أشرنا إليه في حديثنا عن المرتكزات والثوابت.
ويرتبط بموضوع التوازن في المنظومة التربوية التي ندعو إليها ونعتبرها بديلا، موضوع المواد الدراسية وضرورة عدم تفضيل إحداها أو محاباتها على أخرى. ويبغي أن تجعل المنظومة التربوية التلميذ وأولياء أموره والمجتمع يعتبرون أن المواد الأدبية والإنسانية ( من لغة وأدب وتاريخ وفنون …) لا تقلّ أهمية في صقل شخصية المتعلم وتنشئته وتكوينه من المواد الأخرى العلميّة والتقنية.وينطبق الأمر نفسه على التعليم العالي والبحث العلمي اللذين تستدعي التخصصات الإنسانية والاجتماعية فيهما مزيدا من العناية والاهتمام على كلّ المستويات بما يعيد إليها الاعتبار ويفعّل دورها في نهوضنا الاجتماعي والثقافي والفكري .
4 ) التفتّح على المحيط الاقتصادي والاجتماعي والنهوض به :
ينبغي ربط التربيّة والتكوين والتعليم بالمحيط الاقتصادي والاجتماعي في تحديد الأهداف ووضع المناهج  واختيار الطرق والأساليب والأدوات التعليميّة وتعبئة الموارد البشريّة والماديّة ،دون أن يكون هذا التمشّي  مجرّد استجابة آليّة لحاجة السوق والقطاعات الاقتصادية،وإنمّا يجب أن يكون هذا الربط – على العكس من ذلك – بهدف تطوير مختلف القطاعات الاقتصاديّة والنهوض بالمجتمع ،بما يجعل من التربية والتكوين والتعليم قاطرة للتنميّة ومنتجا للثروة وخالقة لفرص العمل .
وفي هذا الصدد من الضروري في مجالات التكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي الارتباط العضوي ،قدر الإمكان ، بظروف البيئة ومتطلباتها ليساعد ذلك على التنمية المحليّة والجهويّة .ويقتضي مثل هذا الترابط أو التفتّح الدخول في شراكة مع مكوّنات المجتمع المحلّي الحكومي والمدني كلّما كانت هذه المكوّنات قادرة على الإسهام الجادّ في الجهود التربويّة والتكوينيّة والتعليميّة .
ومن أهداف تفتح التربية والتكوين والتعليم على المحيط الاقتصادي والاجتماعي المحلي والجهوي والوطني تحقيق اندراج طبيعي سلس للخرّيجين في سوق الشغل والحدّ من ظاهرة بطالة هؤلاء الخريجين وتمكينهم من تكوين تكميلي ،عند الحاجة ، بما يساعد على الاستفادة من خبراتهم ومهاراتهم.     على أنّ تفتح مؤسسات التربية والتكوين والتعليم العالي على المحيط الاقتصادي والاجتماعي محليا وجهويا ووطنيا ينبغي ألاّ يغيّب بعدها الأكاديمي أو النظري ،وهو بعد ضروري لتطوير منظومات التربيّة والتكوين والتعليم والبحث نفسها ،ولحلّ قضايا تنمويّة عديدة ،وكذلك للإسهام في الحركة العلميّة الإنسانية والنهوض العلمي والتكنولوجي والمعرفي والثقافي على الصعيد الوطني .
5) تعزيز استعمال اللغة العربيّة ودعم اللغات الأجنبية:
يقتضي تحقيق أهداف منظومات التربية والتكوين والتعليم العالي والبحث العلمي الحسم في مسألة لغة التدريس أساسا .
لقد نصّ النظام التربوي الذي طُبق منذ بداية تسعينات القرن الماضي على أنّ لغة تدريس العلوم في التعليم الأساسي هي اللغة العربيّة ،لكنه أبقى على الفرنسيّة لغة تدريس العلوم في الثانوي ،استمرارا لما جرت عليه العادة في التعليم العصري أثناء عهد الاستعمار ثمّ في فترة الاستقلال .
ويرى التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات أنّ الإبقاء على الفرنسية لغة تعليم للعلوم والتقنيات والتكنولوجيا في التعليم الثانوي وكثير من اختصاصات التكوين المهني وحتى في التعليم العالي أمر ضارّ بالعملية التعليميّة نفسها وكذلك بشخصيّة المتعلم    وهويّته وانتمائه . ومن الثابت أنّ إتقان التلاميذ ،بل حتّى مدرّسيهم أحيانا ،للغة الفرنسية إتقان محدود جدّا أحيانا ،يدلّ على ذلك أنّ أكثر من 3000 تلميذ في امتحان البكالوريا لدورة 2008 قد تحصلوا على صفر من عشرين في مادة الفرنسية، وهو ما ينعكس سلبا على استيعابهم للعلوم نفسها وبالتالي يُخِلّ بتكوينهم.لذا فإنّ النجاعة التربويّة والتعليميّة تقتضي تعليم العلوم باللغة العربية التي هي اللغة الوطنيّة والرسميّة، إضافة إلى أنّها لغة قادرة تماما على التعبير العلمي في المرحلة الثانويّة وحتى في المرحلة الجامعيّة وفي البحث العلمي دونما أيّ صعوبة أو إشكال .
لقد نصّ الميثاق الوطني الذي أقرّه في 7/11/1988 ممثلو الأحزاب السياسيّة والتنظيمات الاجتماعيّة والمهنيّة والتزموا بالعمل على هديه وبالتقيّد بأخلاقياته وضوابطه ” أن المجموعة الوطنيّة مدعوّة لدعم اللغة العربيّة حتى تكون لغة الإدارة والتعامل والتعليم (…) وأنّ التعريب مطلب حضاري متأكد ّ وهو من أهم الضمانات لتحويل المعاصرة إلى مكسب شعبي ولجعلها جزءا من الذهنيّة العامة …”.     إلآّ أن السلطة الحاكمة لم تطبّق  هذا التمشي ولم تنجز إلى الآن التعريب حتّى في التعليم الثانوي خلافا لما عليه الأمر في التعليم الرسمي بكلّ الدول العربيّة بلا استثناء ولما تقتضيه نجاعة التعليم ،ممّا أضرّ بالتلاميذ وعدّه كثير من المربين والباحثين أحد أسباب الفشل والانقطاع المدرسيين .وبالإضافة إلى الدواعي التعليمية البيداغوجيّة للتعريب ،فإن التدريس بلغة أجنبيّة مدعاة للتغريب والاستلاب واهتزاز الشعور بالانتماء ،لما للغة من دور حاسم في تكوين الشخصيّة وترسيخ الهويّة كما هو معلوم .ولعلّ كثيرا من أمراضنا الاجتماعية وخاصّة في صفوف الأجيال الجديدة هذا النقص الملاحظ في الاعتزاز باللغة العربيّة والتهافت على الأجنبي لغة وثقافة، وإصرار كثير من شبابنا، أولادا وبنات ،على الهجرة أو الاستقرار في الغرب إثر الانتهاء من الدراسة ، وهو ما يحرم الوطن من خيرة أبنائه علما وتكوينا .
ولذا فإنّ التكتّل الديمقراطي من أجل العمل والحريّات يرى أنّ المعالجة الموضوعيّة الرصينة لموضوع لغة التدريس تقتضي التعجيل بالتعريب الشامل في التعليم الثانوي والعودة إلى العربيّة في تدريس العلوم بالمدارس النموذجية والتخطيط لتعريب تدريس العلوم في التعليم العالي ،بما يحقق الفوائد العظيمة المرجوّة للمتعلّم والمجتمع والوطن . وقد أثبتت تجربة تعريب الفلسفة والمواد ّ الاجتماعية في أواسط سبعينات القرن الماضي قدرة المربين والأساتذة التونسيين على إنجاز هذا التعريب بالجودة العالية والسرعة الفائقة .وإذا كان التعريب ضرورة بيداغوجيّة   وحضارية فإنّّ التفتح على اللغات الأخرى والحرص على تعليمها وجودة اكتسابها في كلّ المراحل التعليميّة هما من البديهيّات التي لا خلاف عليها. وإن تعليم تلك اللغات بالطرائق والأساليب الملائمة، أي باعتبارها لغات أجنبية لا لغات مهيمنة، سيساعد على جودة ذلك التعلّم.

ثانيا : الشباب
الشباب ثروة البلاد وعماد المستقبل ومحور السياسات التربوية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية وهدف الخطط التنمويّة والبرامج المستقبلية .
وقد كان من أهم مظاهر عناية دولة الاستقلال بالشباب تعميم التعليم والتكوين المهني والعمل على توفير الأنشطة الرياضية والتثقيفية والترفيهية عبر شبكة الملاعب ودور الشباب والثقافة ومختلف أنواع الجمعيات. وعلى الرغم مما تحقّق من مكاسب للشباب ، فإنّ نقائص كثيرة لا تزال ماثلة للعيان وتحدّ من انطلاقة الشباب وتفتحّه وتوازن شخصيته وإقباله على المستقبل بتفاؤل وثقة وعزم.
ومن أهمّ الشواغل المستبدّة بالشباب في الوقت الراهن، مثلما أثبتت ذلك الدراسات والبحوث والتحقيقات : النجاح في الدراسة، والوصول إلى مقاعد الجامعة، والعمل بعد التخرّج سواء من الجامعات  أو من التعليم الثانوي أو التكوين المهني، والهجرة إلى الخارج للعمل أو للعمل والاستقرار معا.
وقد فشلت السياسة التربوية والتعليمية في الربط الناجع بين التكوين والتشغيل وخاصّة بالنسبة إلى حاملي الشهادات الجامعية، كما لم تفلح السياسة الاقتصادية الليبرالية  المتبعة حاليا في توفير الشغل لكثير من الشباب مما أبقى البطالة مرتفعة وتتجاوز نسبتها، قطعا، النسبة التي تصرّح بها الحكومة وهي حوالي 14%.
وتعدّ البطالة داء اجتماعيا عضالا يهدّد مستقبل الشباب والمكتسبات الوطنية ويحمّل الدولة وسائر مكوّنات المجتمع مسؤوليات ثقيلة لا بدّ من أخذها مأخذ الجدّ ومعالجتها بالتشاور مع كلّ الأطراف المعنيّة، وفي مقدّمتها الجمعيات الشبابية والمنظمات الطالبيّة، حتّى لاتبقى قنبلة موقوتة يتوقع انفجارها في أيّة لحظة.
ومن أساليب علاج معضلة البطالة في صفوف الشباب عامّة وحاملي الشهادات الجامعية خاصّة إحكام الربط بين التكوين وسوق الشغل، وتطبيق سياسة تربوية وتعليمية مبدعة تخلق مواطن الشغل، وتمكين الطلبة والمتخرجين من تغيير مسالك التكوين في الأثناء، والإنصات إلى الشباب والتعرّف على الحلول التي يقترحها محليا وجهويا ووطنيا…
ويعدّ الانبهار بالخارج، وخاصّة بسبب السياسة التعليمية والثقافية والإعلامية المتبعة، وراء ظاهرة الهجرة السرية التي تروح ضحيتها أعداد كبيرة من الشباب اليائس من وطنه ومن مستقبله فيه، وهو ما يحتّم إيلاء الثقافة الوطنية والقومية مكانة أكبر وأرسخ في المناهج التعليمية والبرامج الثقافيّة، ترسيخا للهوية وتعزيزا للانتماء وحفاظا على توازن شخصية الشاب وتماسكها.
ويعاني الشباب التونسي من الإقصاء عن الحياة السياسية والوطنية، بسبب هيمنة الحزب الحاكم على منظمات الشباب والفضاءات الشبابية والثقافية وعجز أحزاب المعارضة الديمقراطية عن استقطابه بسبب انعدام مواردها وما يترتب على ذلك من قصور في توفير فرص النشاط والنقاش للشباب.
أما بالنسبة إلى الرياضة فإنّ المهيمن عليها في أيامنا هذه هو الغوغائية ومنطق الربح والخسارة، وهو منطق ظاهره تنافسي وباطنه مادّي صرف. وقد تخصّصت النوادي الرياضية أو كادت، في كرة القدم، وأهملت رعاية المواهب في غيرها وخاصّة الرياضيات الفردية، كما أهملت الدولة الرياضة للجميع ولم توفّر لها المستلزمات التي تنهض بها.
ويعاني الشباب التلمذي والطلابي من الفراغ لغياب الثقافة الجادة والتكوين السياسي والوطني السليم وطول العطل وخاصّة الصيفية منها وقلّة المخيّمات والأنشطة التثقيفية والترفيهية الصيفية. ويؤثر كلّ ذلك في العملية التربوية فيفقدها روحها وجوهرها ويقصرها على التعليم.
ويرى التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات أنّ ملفّ الشباب والرياضة في حاجة إلى مراجعة عميقة جادّة يهدف رعاية الشباب وتمكينه من تفتيق مواهبه وإبراز إبداعاته والنجاح في العمل والحياة.
ثالثا: الثقافة
الثقافة هي ذلك الكلّ الجامع للخبرات والمهارات والمعارف والآداب والفنون وأنماط العادات والأعراف والعيش والسلوك والأذواق والقيم.
والثقافة المعاصرة هي كلّ ما وصل إليه العقل البشري على المستوى العالمي من معارف وعلوم وفنون وآداب وما أبدعه من أشكال العلاقات ومن أنماط حديثة للعيش والحرية والنظام.
وإذن فليست الثقافة مجرّد أنشطة فنية وأدبية تقدّمها وسائل الإعلام ودور الثقافة ونواديها ويستهلكها المواطن عامّة للترفيه وتزجية  أوقات الفراغ، وإنما هي أشمل من ذلك وأعمق وأبعد أثرا. إنّها البعد الأصيل والعميق في الكيان الإنساني، والإطار الذي تتنزّل فيه إنسانيته وتفكيره وقيمه واختياراته الفردية والجماعيّة وتتبلور، فتنعكس حتما على سلوكه وعلاقته  وعمله وإسهامه في الحياة الاجتماعية والوطنية والإنسانية.
وينبغي أن تهدف الثقافة في منظور التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات إلى ما يلي خاصّة:
1-    تأكيد حرية الإنسان والمواطن فردا ومجتمعا، وتعميق إنسانيته، وتعزيز كرامته.
2-    تعزيز مبادئ العدالة والإنصاف والمساواة ;واحترام الآخر والعيش المشترك، انطلاقا من القيم الأصيلة للمجتمع ومن الثقافة المعاصرة التي أصبحت معطى كونيا.
3-    خلق الظروف الملائمة للإبداع في العلوم والآداب والفنون.
4-    تأمين الثقافة العلمية والتكنولوجية الحديثة إلى جانب الثقافة الأدبية والفنية.
5-    غرس الاعتزاز بالثقافة الوطنية والقوميّة وباللغة العربية والإيمان بقدرتها على الحياة والتجدّد.
6-    التفتح الواعي على الثقافات الإنسانية والتفاعل الإيجابي معها.
7-    دعم  جهود التربية والتعليم والتكامل معها تحقيقا للأهداف الوطنية العامة.
وإذا تأملنا الوضع الثقافي في بلادنا وجدنا أن  الغالب عليه هو الاستهلاك والترفيه الثقافيان وتغييب الثقافة العالمة لفائدة الثقافة الشعبية العادية أو المبتذلة وتسليع الثقافة وتوظيفها سياسويّا ومحاصرة الإبداع الحرّ والفكر المخالف وتقزيم المفكّرين والأدباء والفنانين الأحرار. كما نلاحظ قدم أو تآكل المؤسسات الثقافية الرسمية من دور ثقافة وشباب  ومكتبات عمومية ونوادي أطفال، وهيمنة الحزب الحاكم على الجمعيات الثقافية ومحاصرة الجمعيات المصّرة على استقلاليتها بقطع المنح عنها أو الانقلاب عليها.
ويرى التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات أن تحقيق الثقافة للأهداف المرسومة يقتضي تعميق الفعل الثقافي وإبعاده عن التهريج والتسطيح وإيلاء حرية المثقفين والمفكرين والمبدعين كلّ عناية.